أصدرت ديوانها الأول »ارتباك الشمس«

زينب عامر أثنى متمردة وشاعرة تتجاوز الخطوط الحمراء

حاورتها: ميسون الرشيد

شاعرة مرهفة.. تدخل القلوب بلا استئذان، مشحونة بالعواطف، تنتهج الصراحة سلوكاً والشفافية المطلقة عقيدة، تخترق كلماتها جدار الصمت، فتدغدغ العواطف، وتفتح الأبواب المغلقة، تستمتع إليها وهي تبوح جهراً وكأنك لم تستمع إلى أحد من قبل..

تلكم هي الشاعرة الإماراتية زينب عامر التي تجاوبت بأريحية مع هذا الحوار:

❊ زينب عامر من تكون؟ الأنثى المتمردة؟ أم الشاعرة المتقلبة المزاج بين الحب والانتقام؟

❊❊ لا حب ولا انتقام، فقط هي رغبة العيش بسلام ووئام مع الذات ومع من يحيط بي، هناك فرق بين أن نتمرد وأن نعشق بتمرد، لم أجد السبيل للفوز بإحدى الفرصتين، فحين أحببت فشلت فشلاً ذريعاً، وحين تمردت أخفيت تصرفاتي عمن تتأذى مشاعرهم من هذا التمرد احتراماً لهم، (على قولتهم مشِّ حالك) ورغبة في عدم التسبب بجرحهم، ظناً منهم أن التمرد طريق للهلاك، بينما في اعتقادي أن التمرد على التقليد والتبعية هو الحرية والخلاص من عوالق العرف السخيفة وإرهاصاته التافهة.

تأثير مشاغب

❊ لقبت بخنساء الإمارات حيث وصلت كما يقال إلى قلوب الناس بلا استئذان، كيف كانت تجربتك مع مسابقة أمير الشعراء؟ وما سر اللقب؟

❊❊ تجربة (كويسة) لا أعتقد أنها السر الوحيد وراء تجربتي، ولكنه منعطف أطلعني على الكثير من الزيف والهراء، الذي علمت بعده أن الأضواء الصاخبة تلك ليست هدفي، ولكنها جزء لا يتجزأ من تجربتي الجميلة مع الناس وثلة الشعراء المتشرذمين على أبواب الإعلام والظهور، علمت حقاً أنني لا أحفل بأي حضور إعلامي، بقدر ما أحفل بهيبة حضوري وتأثيري على الناس ومن أحبهم.. ولقب خنساء الإمارات الذي ألبسنيه الدكتور عبد الملك مرتاض يشرفني كثيراً، لأنه من هامة نقدية مهمة، يشرفني اقتران اسمي باسمه، لعلمه وجلال قدره لدي، وليس تسلقاً أو عبطاً، وأما تسللي إلى قلوب الناس، أنا أعلم أنني من أكثر الشخصيات اختراقاً لجدران الصمت المحيطة بالقلوب، ولدي تأثير (مشاغب) عليهم، وأعتقد أيضاً أن حضوري بهي، يشعر الناس بالحميمية والدفء والانصات.!! ربما ستقولين غروراً، ولكني سأقول لك (رحم الله امرئ عرف قدر نفسه).

أعترف أن مسابقة أمير الشعراء تركت لي صيتاً رائعاً بقيت ممتنة له حتى الآن، كما كتبت هذا اللقب على ديواني نزولاً عند رغبة بنات أختي، حيث يشعرن بالفخر أن خالتهن هي خنساء الإمارات، وكان حرياً بي أن ألبي رغبتهن، حيث إنهن الأغلى على قلبي وإن كنت لا أؤمن بالألقاب، ولكني أوجه شكري للدكتور مرتاض الذي بادر بمنحي هذه الشهادة، وحسبما قال: (لغتك باكية كالخنساء).

(يحق لها أن تبكي في محيط لا يعرف من اللغة إلا قشورها)

أفيون المادة

❊ تطرح قصائدك أسئلة صارخة في مجتمعات لا تسمي الأشياء بأسمائها، وتضع العديد من الخطوط الحمراء أمام حرية المرأة، فما الهدف من هذا الطرح غير المألوف؟

❊❊ لا يوجد هدف، فلست ممن يخبئن الأهداف ويطلقنها، كل ما في الأمر أن لغة الوجد هي من يتحدث فكيفما تحدثت فإنني لا أشكمها، وليس لدي خطوط حمراء لأقف خلفها أو أتحاشى الوصول إليها.. أسئلتي لا يجيب عليها مجتمع يعيش على الاختباء والتحريم والنفاق، أسئلتي مجاب عليها في نطاقات شاسعة من العالم، لا تخنق سلامنا الداخلي بالترهات، لذا أؤكد أن أسئلتي لا إجابة لها في المجتمعات الهشة ثقافياً وفكرياً، ولكنها أسئلة (مسكينة) في مجتمعات أكثر عمقاً، وقصائدي تتساءل مثلي تماماً وتضع أمام عينيها بخط عريض قضية (ليش؟)، وليس الهدف إثارة المشاكل لأنني:

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جراها ويختصمُ

هذا إن كانوا يبالون أصلاً بما كتبت وما سأكتب، ولكني سأترك أوراقي أدراج التاريخ، ربما يأتي يوم على مجتمعي ليفيق ويسأل ويبحث عن الإجابة، لأننا مخدرون الآن بأفيون المادة!!، البحث عن الرفاهية والترف، ونحن أبعد ما نكون عن عقولنا وذواتنا.

❊ ما تكتبينه من شعر بلورة لهموم شخصية، أم نوع من أنواع البوح المكتوب جهراً؟

❊❊ البوح إن لم يكن بلورة لهموم شخصية فليس له معنى، وهمومي كما أشعرها صنف مشترك مع فئات كثيرة من الناس، كما أنها تصطدم بكثير أيضاً.. هناك من يشعر أن الكتابة عار وأن (الأثنى) الكاتبة خطر، وهي في الحقيقة كذلك.. لأنها تعري الحقيقة وتجردها من أغلفتهم المصطنعة، وتجرد نفسها منهم، لذا لا يمكن أن يكون هذا البوح المجاهر هموماً شخصية فقط، بل بلاء على الآخرين، أشعر أنني أتكلم بصوت كل أنثى مكبوتة ولها احتراقات تمتلئ بالحنين والضعف والتمرد الخفي والرغبة في الانفجار، ضد كل ما يعترض تنفسها بشكل صحي وسليم، وأكثر ما يخنقنا هم (الرجال).. أبوح نعم، بصوتٍ من حبر، أو لنقل (صوت على الكي بورد).

ذهبت مع الريح

❊ الشاعرة العربية زينب عامر ما زالت تحلم بوطن عربي تعبره دون حدود، وجواز سفر، أم أن أحلامك ذهبت مع الريح؟

❊❊ ذهبت أحلامي بالطبع مع الريح ولم يعد لها مكان في خريطة هذياني، لم أعد أحلم بوطن عربي لأنني لم أعد أثق بالقومية العربية التي كنا نحلم بها في مراحل الصبا والشباب، بعد أن تمزقت أوصال الوطن، وأصبح الانتماء للطائفة أقوي من الانتماء إلى وطن يمتد من المحيط إلى الخليج، في الوقت الراهن لا أنتمي إلا للغة عشقتها وسأحملها معي أين ما ذهبت وحيثما أتيت.. وكل الوطن العربي لا يعني لي شيئاً أمام لحظة صدق أعايشها مع نفسي في بلد تحترم إنسانيتي، وتؤمن بحريتي في التعبير.

❊ الشعر النسائي في الإمارات أين موقعه من الإعراب، ولماذا لا تشارك الشاعرة الإماراتية بقوة في مسابقات كبيرة كشاعر المليون أو أمير الشعراء؟

❊❊ هناك تحفظات اجتماعية خانقة على الظهور الأنثوي لا أرغب الخوض فيها، لأنني لا زلت أكره الانصياع النسوي الذي يتحججن به بنات الفريج، ولست أفهم حقيقة هذا الفصام الشخصي.. البلد في انفتاح مطلق وما زال حضور المرأة الشاعرة في المسابقات الدولية على استحياء، وربما كان هذا التحفظ (ترفع) عن مجتمعات الشعراء المزعجين كما سبق أن حكمت عليهم.

ظواهر صوتية

❊ تم اختيارك من قبل الديوان الوطني للثقافة والإعلام بالعاصمة الجزائرية للمشاركة في نسخة عام 2009 تحت شعار (القدس في ضمير الشعر العربي) فما أسباب هذا الدعوة؟

❊❊لست أعلم ما أسباب تلك الدعوة، لكني لبيتها بحفاوة وأحببتها وشعرت بحبي العميق لذلك، بالرغم من تكاثر الظواهر الصوتية هناك أيضاً، ولكن على الأقل كنت أشعر أنني قدمت نفسي بشكل جيد، واكتسبت خبرة جميلة، وصدقاً لا أذكر من شارك هناك ولا أتذكر ثلة الشعراء الذين حضروا إلا الزميل عباس جيجان، لأننا سافرنا من أبوظبي سوياً، كما أذكر أن أكاديمية الشعر لم يقبلوا أن يمنحوني تمثيلاً رسمياً، فقطعوا الإجازة من رصيدي وكأني ذاهبة لتثميل بلد الجوار.. وكتبت خبر ذهابي بنفسي ونشرته من خلال المركز الإعلامي للهيئة فأجبروني على تغيير الخبر وتبيان مهمتي الوظيفية في الأكاديمية ليكون للإرسال من(إيميلهم) سبب رسمي.

❊ ديوانك الأول صدر تحت عنوان (ارتباك الشمس) فمن يربك الشمس، الشعر أم زينب عامر؟ وما سر الارتباك؟

❊❊ الارتباك من الحقيقة يكفي أن يهز كوناً بداخلنا، أنا مرتبكة وشمسي أيضاً، ما بين أن أعلن خروجي النهائي عن أسلوب الحياة هذه، أو أن أتماشى بسلام، وأما الشمس فلها دلائل أخرى، يعيها من يعيها، ويبحث عنها من يرغب في معرفتها، وقد كان عنوان ديواني غير ذلك، فقد كان (تصبحون على هُراء) إلا أن المجلس الوطني للإعلام رفضه لأسباب أجهلها، وظلت أبحث عن طريقة للتفاهم معهم طيلة 4 أشهر، حتى استسلمت وأسقطت عنادي بعد عدة مكالمات من الأصدقاء، وحين قالت لي الدكتورة لطيفة النجار (كتبتِ عنواناً جميلاً مدهشاً ويمكنكِ أن تكتبي آخر أجمل منه) فكان (ارتباك الشمس).

الحرية المطلقة

❊ قيل أن ديوانك يختصر تمرد أنثى أغوتها الحرية الفكرية والتحضر، فإلى أي مدى أنت مع حرية المرأة؟

❊❊ إلى أبعد من المدى وأبعد، وأود أن أقول (خلاص اعتقونا لوجه الله)، أنا مع الحرية المطلقة للإنسان، طالما حفظ الناس من شره ولسانه ويده، فليفعل ما شاء وليأت بما شاء، حتى يشعر بلذة العيش والحياة، يجب أن يقتل بداخله كيف يريده الناس أن يعيش، وينطلق كما يريد هو أن يعيش..

❊ يصفك النقاد بشاعرة الرمزية، فما سر الجنوح والميل إلى الرمزية؟ فيما تتجه أغلب الشاعرات إلى البوح بصوت عال؟

❊❊ لا أجد في قصائدي رمزية، بل صوراً شعرية تنبع من أعماقي وتصور ما أود إيصال صورته، وقد واجهت نقداً لاذعاً من بعض شاعرات الإمارات من الرعيل الأول اللواتي أعتز بهن، (أن قصائدي تفتقد لروح الرمزية وتميل للرومانسية الصريحة بشكل غير ناضج)، وهو ما ليس يوجعني أبداً فهذا رأيهن الذي يصقلني، ولي إحساسي الذي لا يمكنني تزييفه.

نموذج من شعرها:

ومضتْ تشقُّ غُبارَها،

ذاتُ العِمادِ.. تجُرُّ قافلة الحديدِ البِكرِ..

تمشي في مناكبِ ربِّها.. تمشي على استحياءْ..!

❊❊❊❊❊❊❊

في كوكب الإسفلت..

غاباتُ الجرائد لم تزُرْ أحقافَنا!

هل فُضَّ تاريخُ التّيممِ.. والبيارقُ جيشُها يبني لنا فتحَا لرياحِ على الرماح..؟

هل ضاع جنُّد الله في مبكى سليمانَ العظيمِ، وغارَهيكله فى عرشِ الحديدِ ومسجدِ الإسمنتِ والطاغوتِ والجالوت؟

أم ثمَّ ما لم نقتفيه برحلةِ الصيف الفقيدة بالشتاءْ..؟!

أم إنها العفراءُ،

جاءت تستفيض عُرى السماءْ..!

You may also like...

0 thoughts on “أصدرت ديوانها الأول »ارتباك الشمس«”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram