ريح في قفص ………المرأة التي أكل القط عشاءها

زكريا تامر

المرأة التي أكل القط عشاءها
كانت مديحة امرأة تكتئب حين ترى شخصين يتحادثان بود، وتتحول أفعى مستغلة موهبتها في ابتكار الجديد والغريب من النمائم والمكايد، ولا ترتاح وتهدأ إلا عندما يختلفان ويصيران عدوين، ولكنها كانت في الوقت نفسه تظهر أمام زوجها ربيع السقال مجرد امرأة ضعيفة، مسالمة، سمراء، جذابة، قليلة الكلام، وديعة، طيبة، يأكل القط عشاءها، فلا يطاوعها قلبها الرقيق على طرده.
وعندما بارت تجارة زوجها وأشهر إفلاسه، لم تتخل عنه، وشجعته على مواجهة مدينيه الشرسين، الذين لم يتركوا في محله التجاري وبيته شيئاً ذا قيمة إلا واستولوا عليه، وهدده بعضهم بالقتل، فتصدت مديحة للمهددين بجرأة قائلة لهم: قتله سهل، ولكنه لن يرجع أموالكم، والتجارة يوم ربح ويوم خسارة، وإذا ظل حياً، فلكم أمل باسترجاع أموالكم.
ولكن أشرسهم فهد الرامي كان غير مستعد للاقتناع بأية حجة، وقال إنه يفضل أن يخسر ابناً على أن يخسر قرشاً، وأقدم على اختطاف مديحة، مقسماً أن الزوجة رهينة لن تعود إلى زوجها إلا إذا عادت أمواله إلى جيبه، واحتفظ بها في بيته حيث زوجته وشقيقاته الثلاث العوانس اللواتي يعشن معه، ولم يلجأ ربيع السقال إلى الشرطة، فهو من بيئة لا تحبذ حل الأزمات عن طريق الشرطة، وفضل إرسال وسطاء يحظون بالاحترام، فلم يوفق كلامهم الجميل العاقل في إقناع فهد الرامي بإطلاق سراح مديحة، وظل مصراً على أن الزوجة ستبقى لديه معززة مكرمة، وستعود إلى بيتها يوم تعود أمواله إليه.
وما إن مر زهاء أسبوعين حتى ذهل فهد الرامي من التغيير الذي طرأ على الحياة في بيته بسبب مديحة ودسائسها المحكمة، فهو قد تشاجر مع زوجته، وزوجته تشاجرت مع شقيقاته، وشقيقاته أنفسهن اختلفن في ما بينهن خلافاً أوشك أن ينتهي بالتراشق بالقباقيب، وأيقن فهد الرامي أن مديحة إذا بقيت في بيته، فكل ما في البيت من حيطان سيتشاجر مع السقوف وينهار البيت، فسارع إلى إعادتها إلى زوجها ربيع السقال معتذراً وشاتماً نزقه الذي يدفعه إلى ارتكاب حماقات مخجلة، فابتسم ربيع السقال، وسأله: والمبلغ المستدان منك؟
فتطلع فهد الرامي إلى ما حوله كأن السؤال موجه إلى شخص آخر غيره، وقال متظاهراً بالدهشة: عن أي مبلغ تتحدث؟ أنا في حياتي كلها لم أدينك أي مبلغ.. لا بد من أن ثمة خطأ في دفاترك المالية.
وبادر إلى الخروج من البيت، فرمق ربيع السقال زوجته مستغرباً، فوجدها كما تعوّد امرأة ضعيفة طيبة يأكل القط إفطارها وغداءها وعشاءها من دون أن تتجرأ على الاعتراض

You may also like...

0 thoughts on “ريح في قفص ………المرأة التي أكل القط عشاءها”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram