وتزودوا فإن خير الزاد التقوى …شهر رمضان نعمة عظيمة شرع الله تعالى لنا فيه أنواع الخير والإحسان

لقد أنعم الله تعالى علينا ببلوغ رمضان، وشرع لنا فيه أنواع الخير والإحسان، فهو نعمة عظيمة، ومنة كريمة، فحري بالمرء أن يشكر خالقه على شهود هذه النعمة، ويحسن اغتنامها في الخيرات، واستثمارها في الطاعات، فرمضان ليس له في الشهور معادل، ولا لأيامه في الخير مماثل، وهو شهر تميز بالعبادة، صيامه فريضة، وقيامه شعيرة، موسم الرحمة والغفران، والفوز بالدرجات العلى والرضوان، وقد غمرنا بنفحاته الزكية، ولياليه المباركة، وأيامه البهية، وهي أيام قليل عددها، كثير خيرها، وصفها ربنا عز وجل بقوله: (أياما معدودات).

فطوبى لمن استقبله استقبال المدرك لقيمته، الحريص على اغتنامه، قال الله عز وجل: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

إن فضل الصيام عظيم، وقدره كبير، فقد رفع الله تعالى شأن الصائمين، وخصهم بباب في جنة النعيم، لا يدخل منه غيرهم يوم الدين، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد).

وخص الله عز وجل الصيام بالفضل، ووعد عليه بعظيم الأجر، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به).. والصائمون موعودون بتكفير السيئات، ومغفرة الذنوب والزلات، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).. أي: من فعل ذلك إيماناً بفرضية صيام رمضان، وطلباً للمغفرة فيه من الرحمن، نال الرحمة والغفران.. فيا فوز من استحضر نيته، وأخلص لله صيامه، واستوفى شروطه وفرائضه، فكان من الفائزين الأبرار.

أيها الصائمون: إن للصيام سنناً وآداباً جليلة تجدر مراعاتها، منها: حفظ اللسان والجوارح عن اللغو والآثام، والتزام أجمل الأخلاق في الأقوال والأفعال، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).

وقال (صلى الله عليه وسلم) مؤكداً على ذلك: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم).. فما أجمل أن يصوم المرء ويصوم معه سمعه وبصره ولسانه وجميع جوارحه، ويصلح ما بينه وبين الخلق، فتكون مخالطته لهم تعاوناً على البر والتقوى، والتزاماً بالخلق الجميل قولاً وعملاً، ويكون في حديثه صادقاً، وفي معاملاته أميناً، وفي عمله متقناً، وفي مواقفه معتدلاً متسامحاً.

رمضان شهر القرآن الكريم، قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان).. يتلوه المسلم بتدبر وخشوع، فتفيض عليه معاني الآيات، بما فيها من عبر وعظات، فتأنس نفس المؤمن، وتسكن روحه، قال سبحانه: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يحث على تعاهد القرآن الكريم وقراءته، وخاصة في رمضان، فيقول: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: رب منعته الطعام، والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان).. فيا بشرى من كان للقرآن تالياً، ولمعانيه متدبراً، وبأوامره عاملاً.. ومن ذلك أيضاً: كثرة الدعاء، والتوجه إلى الله تعالى بالرجاء، قال سبحانه: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).. والصائم قريب من الله تعالى، مستجاب الدعاء، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم).

فهنيئاً لمن أكثر من الدعاء لنفسه وأهله ووطنه والحاكم، وعود لسانه على الاستغفار، وذكر الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار، قال سبحانه: (واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار).

وإطعام الطعام، وإفطار أهل الصيام، من أبواب الخير التي حث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عليها، ووعد فاعلها بالأجر الجزيل، والثواب العظيم، فقال (صلى الله عليه وسلم): (من فطر صائماً كان له مثل أجرهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء).

وكثرة الصدقة والإنفاق والإحسان من وجوه الخير في رمضان، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

اللهم وفقنا لاغتنام رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن، واجعلنا فيه من الفائزين المقبولين يا ذا الجلال والإكرام.فاللهم تقبل صيامنا وقيامنا، وصالحات أعمالنا، ووفقنا جميعاً لطاعتك وطاعة رسولك محمد (صلى الله عليه وسلم) وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملاً بقولك: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

رمضان باب عظيم لتجديد العلاقة مع التواب الرحيمبعد أيام قليلة يفد علينا ضيف عزيز، وشهر كريم، وموسم عظيم، إنه شهر رمضان المبارك، فتح الله تعالى لنا فيه أبواب الرحمات، وأعطانا فيه الكثير من المكرمات، فهو غنيمة للمؤمنين، وزاد للمتقين، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة).

فهو للمسلم أفضل شهور العام، وأيامه رحمة ومغفرة وعتق، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر، ورمضان فرصة للارتقاء والتجديد، وموسم للاستدراك والتصحيح، وميدان للاجتهاد والاستباق في الخيرات، يقول الحسن البصري رحمه الله: إن الله تعالى جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته.فيا بشرى من أدرك رمضان، واغتنم أيامه، واجتهد في لياليه، فارتقى بإيمانه وأعماله.

إن شهر رمضان مدرسة عظيمة، فيه تهذيب للنفس، وتزكية للقلب، وصفاء للروح، وإن من أفضل ما يستقبل به رمضان تجديد علاقة المسلم مع ربه، والإقبال عليه بقلبه وروحه، وأول خطوة في ذلك التوبة إلى الله عز وجل، فهي باب عظيم لتجديد العلاقة مع ربنا التواب، فهو تعالى يحب التائبين، ويعفو عن المنيبين المستغفرين، قال سبحانه: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى). فباب التوبة مفتوح، وعطاء الله واسع ممدود، قال عز وجل مبشراً التائبين: (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً).. ثم المحافظة على الفرائض، وقراءة القرآن الكريم، والاستكثار من النوافل، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

إن شهر رمضان المبارك فرصة للارتقاء في التعامل مع الوالدين، وتوثيق العلاقة بهما، والمبادرة إلى برهما، والإحسان إليهما، ولين الجانب لهما، والتلطف معهما، وقضاء حوائجهما، فإن ذلك من أعظم أسباب نيل رحمة الله، والفوز برضوانه في شهر التوبة والغفران، قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير).

ومن ذلك أيضاً: تقوية الأواصر الأسرية، والروابط العائلية، بتعزيز المودة بين الزوجين، وحسن العشرة بينهما، وأداء كل منهما حقوق الآخر، فالزواج سكينة ورحمة، ومودة وإحسان.

وكذلك: تجديد العلاقة مع الأبناء، بتعاهدهم بالرعاية والعناية، والتنشئة السوية المستقيمة، وتحصينهم بالإيمان والخلق الكريم، وتنويرهم بالوعي والنضج السليم، فلا ينخدعون بالشعارات الرنانة، ولا الدعوات المغرضة، ولا الأفكار المغلوطة، بل يسعون إلى الرقي بأنفسهم، ونفع أهليهم، ونهضة وطنهم.

إن صور الارتقاء في رمضان متعددة، منها تجديد العلاقة مع المجتمع، بترسيخ أواصر التراحم والتلاحم، والمعاملة وفق الأخلاق الزكية والقيم الرفيعة، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً).

فيا سعادة من كان النبي (صلى الله عليه وسلم) جليسه، وفي الجنة رفيقه، وما أجمل أن نستقبل رمضان بأداء الحقوق إلى أصحابها، والتخفف من أعبائها، قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها).

ونحن على مشارف شهر فضيل يجدر بنا أن نحقق التكافل والتعاون، وندخل السرور على القلوب، والسعادة إلى النفوس، فهو شهر الجود والإنفاق والإحسان، وتقديم المساعدة لأهلها، فإن أصحاب الحاجات يسرون في رمضان ما لا يسرون في غيره.

وفي موسم الطاعات نجدد علاقتنا مع وطننا وقيادتنا الرشيدة، ولاءً وانتماءً، وتعاوناً وتآزراً، ليزداد بلدنا رفعة وازدهاراً، ورقياً وتحضراً، متزودين بالعزيمة الصادقة، والهمة العالية، والعلم النافع المفيد، متمسكين بكتاب ربنا وسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم) محافظين على مقاصد شرعنا الحنيف، وسماحة ديننا العظيم، متحصنين بمنهج الوسطية والاعتدال.

You may also like...

0 thoughts on “وتزودوا فإن خير الزاد التقوى …شهر رمضان نعمة عظيمة شرع الله تعالى لنا فيه أنواع الخير والإحسان”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram