لا يجوز تكفير أحد من المسلمين

لقد جاء رسول الله برسالة عظيمة، تحقق الخير والسعادة للإنسان، وتكفل له السلام والوئام، والراحة والاطمئنان، وكان من أسس رسالته (صلى الله عليه وسلم) التصديق بأركان الإيمان التي بينها بقوله: (الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره).. فمن صدق بهذه الأركان فهو مسلم، وإن قصر في العمل، وإن الإيمان محله القلب، ولا يطلع على ما في القلوب إلا علام الغيوب، ولا يجوز التشكيك في إسلام من نطق بالشهادة، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: أنه أدرك رجلاً يقاتل المسلمين في ساحة المعركة، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله.. فطعنه فوقع في نفسه من ذلك، فذكره للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: (أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟).. قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح.. قال: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا).

فلا يجوز تكفير أحد من المسلمين، وكيف يكفر وقد أتى بأفضل شعب الإيمان وأعلاها، قال (صلى الله عليه وسلم): (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله).

إن التكفير حكم شرعي، وهو حق لله تعالى وحده، وأناطه الحاكم بالقضاء ليتولاه ويحكم فيه، فإن أكبر ما يوصم به المسلم اتهامه بالكفر، وإخراجه من ملة الإسلام، وقطع صلته بالمسلمين، وما يترتب على ذلك من أحكام شرعية كالميراث والزواج والدفن، وغيرها، فكم زلت بالتكفير أقدام، وضلت أفهام، وخاضت ألسنة وأقلام، فالحذر من تكفير المسلمين بأقوال مغلوطة، وتأويلات خاطئة، تلبس على الناس دينهم، برفع شعارات براقة ظاهرها إقامة أحكام الدين، وحقيقتها هدم الدين، قال الله تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد).

وقد نشر التكفيريون الفساد في الأرض، وكفروا الحكام والعلماء، والشعوب والمجتمعات، والحكومات والجيوش، واتخذوا من التكفير ذريعة لاستباحة الدماء، وانتهاك الأعراض، ونهب الأموال، وقد بدأ هذا الوباء الفكري منذ ظهور الخوارج الذين خرجوا على سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكفروه، وامتد هذا الفكر إلى بعض الجماعات المتطرفة في عصرنا، فسلكوا سبيل أسلافهم الخوارج، وقتلوا الأنفس التي حرم الله بغير حق، وتركوا وصية سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض).. قال الإمام النووي: أي: لا يكفر بعضكم بعضا فتستحلوا قتال بعضكم بعضاً.. وقال ابن عبد البر المالكي: والمعنى: النهي عن أن يكفر المسلم أخاه المسلم بذنب أو بتأويل.

وقد حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من التكفير، واعتبره مثل إهلاك المسلم وقتله، وذلك لخطورته وجسامته، فقال عليه الصلاة والسلام: (من رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله).. بل إننا نجد أن النهي قد بلغ مبلغه ووصل ذروته في حق من قام زورا برمي الناس بالكفر والضلال، فباء بإثم عظيم، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه).. أي: رجعت عليه نقيصته لأخيه، ومعصية تكفيره.. وشدد (صلى الله عليه وسلم) التحذير من أن يكفر الرجل أخاه فقال (صلى الله عليه وسلم): (إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما).. وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحداً من المسلمين.

وقد سار الصحابة رضي الله عنهم على هديه، واقتبسوا من سيرته ونهجه (صلى الله عليه وسلم) يحذرون الناس من التكفير، وينفرونهم منه، فعن أبي سفيان قال: قلت لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: هل كنتم تقولون لأحد من أهل القبلة أي من المسلمين: كافر؟ قال: لا.. قلت: فكنتم تقولون: مشرك؟.. قال: معاذ الله. وسئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الذين خرجوا عليه وقاتلوه: أمشركون هم؟ فقال: هم من الشرك فروا.. فكل من كفر مسلماً فقد تجاوز حده، وتعدى طوره، وشارك الله تعالى في حقه، ونازعه في أمره، لأن التكفير حق لله وحده.

فتاوي

التوبة مرة بعد مرة والسعي للاستقامة

أنا شاب مسلم لدي مشكلة أرجو أن تفتوني فيها، دائماً أرتكب المعاصي وبعدها أقوم بالتوبة والرجوع لله، ثمَّ أرتكبها مجدداً وأعود للتوبة، وهكذا.. أرجو منكم أن تعطوني حلاً لهذه المشكلة.

نسأل الله العلي القدير أن يحفظك ويبارك فيك ويتقبل منك توبتك وييسر لك طريق الاستقامة، والتوبة مرة بعد مرة علامة خير، وهي دليل على عدم الإصرار على الذنوب، لأنه ما أصر من استغفر.

وما تحس به من حرج شديد يدل على قوة إيمانك، فالمؤمن كثير الخوف من شؤم ذنوبه، ففي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه فقال به: هكذا).

قال العلامة ابن بطال رحمه الله في شرحه لصحيح البخاري: (فينبغي لمن أراد أن يكون من جملة المؤمنين أن يخشى ذنوبه، ويَعْظُمَ خوفُه منها، ولا يأمن عقاب الله عليها فيستصغرها، فإن الله تعالى يعذب على القليل وله الحجة البالغة في ذلك).

والمخرج من كثرة العودة للمعصية هو تجديد التوبة وكثرة الاستغفار والإقبال على الطاعات وكثرة الدعاء، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: (إلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان: 70.

قال العلامة القرطبي رحمه الله في تفسيره: (… فلا يبعد في كرم الله تعالى إذا صحت توبة العبد أن يضع مكان كل سيئة حسنة، وقد قال (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ رضي الله عنه: (أتبِع السيئةَ الحسنةَ تمحها وخالِق الناس بخلق حسن).

ومما يعين على الاستقامة: المحافظة على صلاة الجماعة، غض البصر عن الحرمات، الحذر من صحبة السوء والبحث عن الصحبة الصالحة، شغل الوقت بطلب العلم أو بالأعمال النافعة، المحافظة على أذكار الصباح والمساء وكثرة الدعاء ومواصلة تجديد التوبة ومواصلة مجاهدة النفس.. والله تعالى أعلم.

You may also like...

0 thoughts on “لا يجوز تكفير أحد من المسلمين”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram