عيـــون مريم ………. أحبك يا غادة.. لكنني أكره البوم؟!

مريم شقير أبو جودة

أحبك يا غادة.. لكنني أكره البوم؟!
في كافيه دولابية على الروشة، كان موعدي الأول معها، كان ذلك في بداية السبعينات، قصدتها محمّلةً بكل ما كتبته من وجع وحب وقلق وألق.. وهذه عادتي دائماً حين أحاور أديباً أو أديبةً.. أتقمصه تماماً من خلال إبحاري في كل أوراقه القديمة والجديدة، وحين أجالسه أجعله يحس إنه يقف أمام ورقة هربت من نصوصه، أو أمام نصٍّ يلتبس عليه أنه له أو أنه سيكتبه بعد حين..
وغادة السمان التي تربيّت على أدبها منذ بداياتي ليس مع الأدب وحسب، بل مع القراءة عموماً كانت تنتظرني هناك، قصدتها كصحفية تسعى لمحادثتها لتقتنص مقابلة للمجلة التي تعمل فيها، وبعد ساعات خمس من حوار ليس هو المقابلة التي أردت، خرجنا صديقتين ولا نزال.
والتقينا بعدها مرات ومرات، وفي كل مرة نتحضر للحديث فيسرقنا حديث آخر عن الحياة والنفس والصداقة والحب لساعات وساعات، وننسى أننا التقينا أصلاً لتدوين لقاء خاص بالمجلة.. وإلى أن تحقق ذلك وعلى طريقة غادة المعهودة في إعطاء الأحاديث الصحفية والتي تقوم على تناولها الأسئلة المعدة بعناية على ورقةٍ، وإعادتها بعد أيام على وريقات عديدة بأجوبة مدوّنة بالحبر البنفسجي.. إلى أن تحقق ذلك، قادتني غادة إلى إجراء مقابلات لا تحصى مع أصدقائها، وجعلتني أنضم إلى عائلة قلبها الكبير.. عن طريقها تعرفت على نزار وبلقيس وعلى أدونيس ومحمود درويش وآخرين وأخريات.. كانت غادة سفيرة للصداقة بامتياز.
اكتشفت معها كم أنها حريصة أن يتشابه بوحها ونصوصها.. أن يكونا على السوية ذاتها من الرقة والعمق والتحدي.. واكتشفت مقدرتها على الغوص.. أحببت كل ما فيها.. كل ما كتبت، كل ما حولها.. لكنني لم أستطعْ ولغاية اليوم ان أتصادق مع البومة التي تتخذها غادة شعاراً لها وصديقة دائمة تتفاءل بها، في الوقت الذي يقابل فيه الناس البومة بالتشاؤم والنفور.
معجونة هذه المرأة بالحبر والكلمات الصعبة، ومعجونة بالعطر والكلمات التي من القلب.. محبتي لها جعلتني أغير اسم ابنتي الوسطى من ميريام إلى غادة.. فكبرت ابنتي غادة على عشق الكتابة والقراءة.. ودونما أن تشعر وجهّها الاسم إلى احتراف الصحافة.
يوم غادرت غادة السمّان بيروت إلى فرنسا.. أجزم أن جزءاً كبيراً من شمس بيروت أعلن انطفاءه وأن الموج أقلع عن غادة عناق اليابسة.
لكنها ومن خلال مغتربها الباريسي كانت تطيّر نوارس الشوق إلى بيروت وإليّ وإلى كل الأصدقاء.
قبل عامين هاتفتني من بيروت: لقد عدت يا مريم.. سأستقر هنا..
وبالفعل، بدأت تحضّر لإقامتها النهائية في بيروت.
جهّزت الشقة التي ستسكنها.. وجهزت الأثاث..
وبعد أيام، هاتفتني من باريس: غيرّت رأيي يا مريم.. عدتُ إلى باريس.
وحين سألتها غير متفاجئة.. وقرار العودة.. قالت بأسى: حين أجد بيروت التي أحببتها طوال حياتي.. سأستقرُ فيها من جديد.
لم تتغير غادة القتيلة التي لطالما تستجوبها القبيلة.. لم يتغير موقفها من الكاميرا ولا موقفها من الشارع والحياة.. ولا محبتها للبوم وإعجابها به.. وأنا كذلك لم تتغير محبتي لها.. وفي الوقت ذاته لم يتغير موقفي من البوم..
قبل أيام ولأن صديقتي المخلصة جنان وهي شاعرة ومصوّرة بارعة تعرف مدى عشقي لـ غادة السمّان أرادت أن تفاجئني بشيء يخص غادة، فاستغلت أنني كنت في ضيافتها، وقررت أن تصبحني بمفاجأة مذهلة، فتحتُ عيني عليها وهي تحملُ إليّ بومة صغيرة، وتهمسُ: أحضرتُ لكِ ما تحبه غادة.. لا أذكر ما الذي حصل.. سوى أنني صرختُ وارتجفتُ ولا أزال لغاية اللحظة اهتزُّ هلعاً وأصرخ:
أحبك يا غادة، لكنني أكره البوم!..

You may also like...

0 thoughts on “عيـــون مريم ………. أحبك يا غادة.. لكنني أكره البوم؟!”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram