نفط فلسطين الأخضر وذهبه الأصفر

موسم قطاف الزيتون.. فرحة لا ينغصها سوى الاحتلال الصهيوني
عبد الحكيم أبو جاموس – فلسطين

مع مطلع شهر أكتوبر من كل عام تبدأ العائلات الفلسطينية في الريف التحضير والتجهيز والإعداد لموسم قطف ثمار الزيتون، الذي يبدأ عادة في منتصف شهر أكتوبر، ويستمر قرابة شهرين حتى منتصف شهر ديسمبر من كل عام، للحصول على الذهب الأصفر (الزيت)، من تلك الشجرة دائمة الخضرة التي قدّسها الله وباركها وأقسم بها، والتي تعتبر (نفط فلسطين الأخضر).

يبدو موسم هذا العام ضعيف الإنتاج مقارنة بالعام الماضي، وحين يكون كذلك يسميه الفلاحون الفلسطينيون موسماً (شلتونياً)، أي قليل المحصول، ويعتقدون أن قلّة الاعتناء بهذه الشجرة المباركة هو السبب، حيث لم يكن يحصل معهم هذا في قديم الزمان، حين كان آباؤهم وأجدادهم دائمي الاهتمام بها ورعايتها وتقليمها وتزويدها بالسماد العضوي الطبيعي (الزِبل) المكوّن من روث الحيوانات، وأحياناً يسقونها بعض المياه إن شعروا بجفافها وحاجتها للماء.. هذا التقصير كما يسمّونه أدى إلى تعويد الشجرة على أن تكون غزيرة الإنتاج في سنة وضعيفة الإنتاج في السنة التي تليها.
أدوات الخراطة
تنقسم التحضيرات إلى قسمين: نفسية وعمليّة، حيث يبدأ الفلاحون وأولادهم بتهيئة أنفسهم وتجهيز ما يلزم من أدوات وأغراض عدّة، تعينهم على قطف الثمار، ابتداءً من (المفارش) التي تُفرش حوالي الشجرة المقدسة لتسقط عليها الثمار، وهي إما من الخيش أو البلاستيك، ثم المقصّات والمناشير اليدوية لتقليم الأشجار، ثم العبوات والأكياس لنقل المحصول فيها، بالإضافة إلى أدوات الخراطة التي يسمّونها الخرّاطات أو المشّاطات.
ويحرص الفلاحون إيماناً منهم بقدسية شجرة الزيتون على عدم استخدام العصي في القطاف، أو ما يسمّونه عملية (الخَرْط) أو (جْداد)، ويستخدمون السلالم الخشبية الصغيرة والمتوسطة، وما يسمّى (السّيْبَة) ذات الشُعبيتين، وهي عبارة عن سلّمين صغيرين يتقابلان على شكل رقم 8، يتّصلان ببعض من الجهة العليا، التي تكون أضيق من الجهة السّفلى، يصعد عليها شخصان، واحد من كل طرف.
أجواء نشاط وسرور
يقول المزارع عبد القادر عواد، 70 عاماً، من قرية جوريش جنوب شرق مدينة نابلس الفلسطينية: إن التحضيرات تشمل أيضاً تجهيز المؤونة لإعداد ما يسمى (الزّوّادة)، حيث يتم تناول وجبتي الإفطار والغداء تحت شجر الزيتون في السهول والجبال في الهواء الطلق، فيقومون بتجهيز الطعام وتغليفه وتعليبه، وكذلك تعبئة سخّانات الشاي والقهوة، أو القيام بتحضير هذه المشروبات على النار عبر مواقد حجرية تُصنع خصيصاً، ويوقد فيها الحطب لغلي الشاي والقهوة، وتجهيز بعض المأكولات. ويضيف: أجواء الزيتون تذكّرنا دائماً بأجواء شهر رمضان المبارك، حيث يكون الجميع في حركة ونشاط، ليل نهار، فيعمّ السّرور.
العمل كخليّة نحل
منظر العائلة وهي تمارس عملية القطاف يبهج الصدر، فترى الصغار والكبار والنساء والرجال، كلٌ يقوم بعمل معيّن كخلية نحل، لجمع حبّات الزيتون، واختيار الثمار الكبيرة الناضجة بلونيها الأخضر والأسود لكبسها وتخليلها بالماء والملح والليمون والزيت، وما يتبقّى من ثمار يتم إرسالها إلى معصرة الزيت، حيث تُهرس بواسطة حجرين دائريين ضخمين متقابلين، أو عبر مطحنة فرّامة ذات شفرات حادة، ثم لفرز الزيت من الثمار بعد هرسها بحيث يخرج الزيت صافياً يتلألأ نوراً وضياء، ويخرج الماء الذي يسمى (زيباراً) والخبث الذي يسمّى (جفتاً)، ويستخدم لأغراض التدفئة في فصل الشتاء. وطريقة العصر إما تتم عبر مكابس حديدية ضخمة وثقيلة، تُطبق كالكماشة على قِفاف الهريس، فيسيل الزيت كمزاريب المطر ليستقر في حوض، أو عبر مبدأ التكاثف بواسطة البخار، بحيث يطفو الزيت بواسطة الماء الساخن، ويذهب إلى آلة تسمّى (فرّازة) تفصله عن الماء.
زيت بكر
بعض الفلاحين يقوم بنشر المحصول وتجفيفه لطرد المياه منه قبل عصره، وبذلك يسمّى الزيتون (مُذبّلاً)، والبعض الآخر يذهب به مباشرة لعصره إيماناً منه بالوصول إلى زيت بكر تقل فيه نسبة الحموضة ويكون أشهى وألذ مذاقاً.
في هذا العام المحصول وفير، لا تكاد الشجرة تحمل ما عليها من حب مصفوف مثل خرز القلائد.. ترى البعض يمارس عملية تلقيط الثمار التي تساقطت بفعل المرض أو الهواء والتي تسمّى عملية (الجول)، ثم يفرشون المفارش ويبدأ كبير العائلة غالباً بقص وتقليم الشجرة والنساء بخرط الأغصان المقطوعة وتلك المتهدلة من الشجرة، والأطفال يصعدون في وسطها أعلى الأغصان، والشباب يحيطونها من جميع الجهات، إما واقفين أو فوق السلالم والسيبات، ويتم نقل الثمار من الحقول إما عبر الدواب وخاصة الحمير، أو عبر مركبات قديمة متهالكة تصلح للسهول والجبال.
اعتداءات الصهاينة
لا ينغص فرحة فلاحي فلسطين بهذا الموسم سوى اعتداءات المستوطنين الصهاينة وأفراد جيش الاحتلال، الذين يهاجمونهم في الحقول ويمنعونهم من قطف الثمار، وفي بعض الأحيان يستولون عليها أو يخرّبونها ويدمّرونها.
إلا أن صمود الفلسطينيين أقوى، وإصرارهم على الحياة على أرضهم الطاهرة المقدسة أعمق، فتظل عزيمتهم ماضية كالسيف، يحافظون على أرضهم كما يحافظون على عرضهم.

246 248 249

You may also like...

0 thoughts on “نفط فلسطين الأخضر وذهبه الأصفر”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram