رؤى ثقافية ….. هاجس البحث عن الحب

د. هيفاء بيطار

هاجس البحث عن الحب
معظم الناس يؤرقهم موضوع الحب، وحين يُفكرون أو يتحدثون عنه، يكون هاجسهم كيف يكونوا محبوبين، ونادراً ما يفكرون كيف يُحبون!!
وفي عصر العولمة الذي طرح مفاهيم جديدة وموحدة ليس لنمط الحياة فحسب، إذ صار هدف الناس أن ينفقوا أكثر فأكثر وأن يترفهوا وفق معايير معينة، فأصبحت الأذواق متساوية تقريباً، وكذلك نمط الحياة من حيث الطعام واللباس والعادات وتمضية الإجازات، خطورة العولمة أنها جعلت الإنسان ينظر إلى حياته كاستثمار عليه أن يجني منه أكبر ربح، أما كيف تتحول الحياة إلى استثمار فهي أن يعتمد الإنسان إلى إشباع كل حاجاته، فليس هناك إشباع سوى إشباع الاستهلاك، وقد تنبه الفيلسوف الشهير هكسلي لهذا الأمر وعالجه في كتابه الشهير جداً (العالم الجديد) إذ قال بأن (الإنسان يتغذى جيداً ويكتسي جيداً، ويُشبع رغباته الجنسية جيداً، ومع ذلك فهو بلا روح).
ويوضح هكسلي أن العالم صار موضوعاً كبيراً لشهوات الإنسان، إنه أشبه بتفاحة كبيرة، بقنينة كبيرة، بجسد ناضج، وقد جُهزت شخصيتنا للمقايضة والاستهلاك، فكيف يصبح الحب في هذا الزمن؟ زمن شعاره إشباع الحاجات والاستهلاك في أعلى مستوياته.
ويرى هكسلي وغيره من علماء النفس مثل إريك فروم (وخاصة في كتابه الرائع فن الحب) أن شكل الحب قد تغيير في عصر العولمة وأن تلك الحضارة الحديثة القائمة على شهوة الشراء وإشباع الحاجات لدرجة يربط الكثير من الناس بين الصحة النفسية والنجاح بمدى إشباع هذه الحاجات.
إن إنسان اليوم يفقد فرديته شيئاً فشيئاً، فالكل صار لهم المتع نفسها ويقرؤون الصحف نفسها، ويشعرون تجاه الأحداث بالمشاعر نفسها، وأصبحوا متساوين مساواة الآلات، وهذه المساواة تُسمى الواحدية في علم النفس، هؤلاء الناس ينظرون إلى الحب كما لو أنه جائزة يحصلون عليها، فالمرأة الجذابة التي يكرس صفاتها الإعلام هي جائزة يسعى الرجل للحصول عليها.. كما أن الرجل الجذاب وفق معايير العولمة المحددة هو بدوره جائزة تسعى المرأة للحصول عليها.
وكل من الرجل والمرأة يُفتش عن نصفه الآخر بالحماسة ذاتها التي يبحث عنها عن سلعة في السوق، بل إن عصر العولمة طرح تعبير الفريق ليُعبر عن الزواج السعيد، كما لو أن الرجل والمرأة يُشكلان تحالفاً ما، وقد يعيشان مع بعضهما ضمن مؤسسة الزواج –أو حتى دون رابط رسمي– ويعاملا بعضهما بعضاً بكياسة لكن يظلان غريبين بعضهما عن بعض طوال حياتهما، لأن جوهر الحب مفقود.. الحب الذي يعني أن ينفتح الإنسان روحياً ووجدانياً على الآخر وليس أن يتحول الآخر إلى وسيلة لإشباع حاجات جنسية وطموحات معينة.
في عصر العولمة صار أساس اختيار الشريك لشريكه هو: ماذا يمكنني أن أستفيد منه؟ ماذا سيقدم لي؟ جوهر الحب في عصر العولمة هو النفعية والاستفادة، أي إن الشريك موجود بغرض خدمتي وفائدتي وراحتي.
وليس غريباً أن الكثير من المدارس في الغرب قد أدخلت إلى مناهجها المدرسية مادة تُعلم الطلاب كيفية احترام الآخر وكيفية التعامل مع الحياة، بل وكيف يجب أن ننظر إلى أنفسنا، فحياتنا ليست مشروعاً للاستثمار والآخر ليس مطية لبلوغ أهدافي وطموحاتي، والحياة ليست تفاحة كبيرة شهية يجب أن نلتهمها.
إن كتباً مثل (العالم الجديد) لهيكسلي و(فن الحب) لإريك فروم وغيرهما من الكتب التي تعيد الأصالة والاحترام للذات الإنسانية مهمة جداً ويجب أن تُدرس في المدارس وأن تسلط عليها الأضواء كي نساعد الأجيال الشابة خاصة على مقاومة رياح العولمة الخطيرة، وكي نُعيد للحب غايته وألقه الحقيقي بدل الأضواء الزائفة المُضللة المُسلطة عليه.

You may also like...

0 thoughts on “رؤى ثقافية ….. هاجس البحث عن الحب”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram