ريح في قفص ……. الكذب الجميل

زكريا تامر

نفد صبرنا على الفقر والهوان والظلم، وتقنا إلى أمل ما، فهرولنا إلى منجم معروف موثوق، ورجوناه أن يحدثنا عن نبوءاته عما سيحدث في المستقبل، فقال لنا: في المستقبل، إذا خيّر الإنسان بين شراء كتاب يطوّر عقله وبين شراء رغيف يسكت عواء معدته، اختار بلا تردد شراء الكتاب.
وقال المنجم المعروف: في المستقبل، لن تلغى الرقابة عن الكتب، ولكن المؤلف الذي لا يمارس حريته في التعبير عن أفكاره ستتعرض كتبه للمنع بحجة أنه ينشر الجبن ويسيء إلى الوطن والأمة.
وقال المنجم المعروف: في المستقبل، سيصبح الأدباء ذوي أحاسيس مرهفة وسريعي التأثر، فإذا طمح أحدهم إلى نيل جائزة نوبل، ولم تمنح له، بادر إلى الانتحار وهو يبتسم، وإذا انتقد أحد النقاد أديباً من الأدباء ونصحه بالعناية بلغته الركيكة سارع الأديب إلى الاستغاثة بالمحاكم الجنائية الدولية وطلب تدخلها العاجل لحمايته ومعاقبة المتآمرين على إبداعه، وإذا لم يحظ أحد الكتب بإعجاب القراء سارع مؤلفه إلى التوبة عن الكتابة.
وقال المنجم المعروف: في المستقبل، ستُكتب رواية عن بلد يحكمه رجل سليط متسلط، يتشبث بالكرسي تشبثاً، يدفع أهل البلد إلى الهجرة والهرب، وتستمر هجرتهم حتى يصبح البلد خاوياً، ليس فيه سوى الحاكم وزوجاته وجواريه وأبنائه وحراسه وخدمه، ثم تشرع الزوجات والجواري والأبناء والحراس والخدم في الهجرة، وتشرع الكراسي والطاولات والخزائن والسرر والسجاد في الهجرة أيضاً، حتى أتى يوم استيقظ فيه الحاكم من نومه، فإذا هو وحده في البلد، فلم يكترث لما حدث، وظل قاعداً على كرسي الحاكم سعيداً.. ثم حدث أمر غامض، إذ ابتدأت أعضاء جسم الحاكم بالهرب منه والهجرة، حتى لم يبق منه سوى الأعضاء الملتصقة بالكرسي، فازدرى ما جرى، فكل الأمور على ما يرام، ما دام باقياً على كرسي الحكم.
وقال المنجم المعروف: في المستقبل، ستعمّ الحشمة، حتى إن الرجال سيرتدون الملاءات السود، مقتنعين بأن المكان المناسب للرجل هو البيت، حيث يعنى بتربية الأبناء وبشؤون المطبخ.
وقال المنجم المعروف: في المستقبل، سيأتي يوم تصدر فيه الجرائد وليس في صفحاتها الأولى غير صور الناس العاديين، وهذا أمر لا يصدق، لكنه سيحدث بإذن الله.
وقال المنجم المعروف: في المستقبل، سيكون كل الناس عادلين رحماء، وستكون الحرية هي الآمرة الناهية، وستكون اللحوم والفاكهة والخضراوات رخيصة الأسعار، وسيصبح كل واحد منكم مالكاً لبيت وسيارة وزوجة شبيهة ببريجيت باردو في أيام صباها.
فسارعنا إلى التخلي عن صمتنا، وتصايحنا ساخرين من كلامه المملوء بالأوهام والأكاذيب.

You may also like...

0 thoughts on “ريح في قفص ……. الكذب الجميل”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram