شرفتي ………. هل تغير طعم المدن؟!

بقلم رئيس التحرير: الدكتور وليد السعدي

ما الذي حصل؟!.. ما الذي تغير؟!.. ما الذي جرى؟!..
أسئلة بتنا نسألها كل يوم، ونبدأ بأنفسنا أولاً ثم لكل من نراه ونقابله ونجالسه ونتسامر معه، إن كان هناك سمر..
أسئلة وجدتها في كل المدن التي زرتها أخيراً عربية كانت أم أجنبية، والكارثة الكبرى كانت في دمشق.. ما الذي حصل لهذه المدينة الوادعة؟، مدينة العشق والياسمين، مدينة الحضارة والتراث والمآذن والشوارع والمقاهي، مدينة الخصب والجمال الذي لا نظير له في العالم كله، ما الذي حصل؟!.
يأتيك الجواب أنها الحرب التي أكلت الأخضر واليابس في الأرض والبشر والحجر وفي النفوس.. أولاً الزائر الغريب إلى دمشق لا يراها قد تغيرت كثيراً، لكن أبناءها المغتربين يجدونها بعد كل تلك الزيارات وقد تغيرت.. تغيرت وجوه الناس ونفوسهم.. تغيرت بعض الأماكن وبعض الطرقات.. تغير التعامل مع الناس.. تغير طعم الأشياء كلها في الشام، مع أنها ما زالت متماسكة.. ما زالت صامدة، ما زالت تحب الغير ويحبها الغير بالتأكيد، لكن مدينة العشق والياسمين لم تعد بنفوس أصحابها كما عهدتها سابقاً، كما ألفتها سابقاً..
أنا هنا لا أزيد على الشام من مآسيها، فالشام شام ولو جار الزمان عليها، ولو طال أمد الحرب في بلادها.. لكن أعني نفوس الناس وعلاقاتهم وتعاملاتهم وجشع البعض منهم في زمن الحرب، الزمن الأسود الذي يمر ببلادي، والغيمة السوداء التي طال مكوثها في سمائنا.. زمن ضاعت معه أحاسيس بعض البشر، وضاع فيه الوفاء والإخلاص وندر فيه الصدق والعهد..
فيا شآم لك الله، ولك من حرسوك من عيون الأعادي، ولك من أخلصوا لك العهد والميثاق والإخلاص، لك مني كل حب الدنيا.. يا شآم.
أما في تركيا فكان الأمر مختلفاً قليلاً، فبعد الانقلاب الفاشل الذي حصل فيها كنا في زيارة إلى اسطنبول وطرابزون ضمن وفد سياحي عربي كبير، وجدنا أيضاً أن الناس قد تغيرت مقارنة بزيارات أخرى، وجدنا أن النفوس تغيرت في اسطنبول في لقائها للسياح والتعامل معهم، وقد حضرنا أكثر من مسيرة سليمة مؤيدة طبعاً لأردوغان تطوف شوارع اسطنبول في كل ليلة حتى الصباح ليثبت أردوغان شعبيته وشرعيته، لكن ما يهمنا هو الناس، فالناس قد ملّت الناس، وتعاملهم في ما بينهم أصبح شيئاً مختلفاً، أصبح شيئاً من الترف والكماليات. وفي جورجيا، التي قضينا فيها بعض الوقت، تجد مدينة تبيليسي وهي العاصمة وقد ظللها الهدوء وثبت صباحها الذي لا يبدأ قبل العاشرة، فلا يمكنك أن تبدأ نهارك قبل العاشرة، إلا إذا كنت موظفاً، الناس هناك كل في حياته الخاصة، لا يتدخلون في شؤون بعضهم البعض، ولا يعطون اهتماماً لأي زائر أو سائح، فالسائح له برنامجه وله مرشدوه، وله أصدقاؤه إن وجدوا، الكل مشغول في اللا شيء والكل مشغول بهاتفه النقال، وبحديثه المتكرر، رتابة صباحية قاتلة، لكن ما يشفع لجورجيا، التي زرنا فيها أكثر من محطة ومدينة، جمال طبيعتها الأخاذ ورخص الأسعار فيها، وكذلك الأمن والأمان الذي تتمتع به. وها هي بيروت التي أطللت عليها بعد غياب قصير، هي نفسها، غلاء في الأسعار، ولبنان بلا رئيس، وصراعات حزبية وطائفية ومذهبية لا حدود لها، ومشاكل لبنان هي هي لم تتغير، وإن طالت وتمددت ومدد لها، لكنها بيروت عشق الناس ومدينة الحب، نعم تأسرك بيروت بتفاصيل حياتها وإن ملها أصحابها، لكن الغريب من يأتي إليها يحب تفاصيل حياتها، بدءاً من منقوشة الزعتر وحتى الشواطئ وليل ومطاعم وأراكيل بيروت، والأهم من ذلك أصدقاء بيروت الذين ما زالوا على الوفاء، وما زالوا يكنون لها التقدير والتكريم.. بيروت مدينة أصبحت للأسف تنام، نعم تنام مبكراً، إلا ما ندر من مطاعم وملاهي، وذلك لعدم وجود السياح العرب فيها.. بيروت أصبحت تنام مبكراً، وتستيقظ مبكراً، فالاستيقاظ مبكراً والجري على الشاطئ بالقرب من السان جورج والروشة أمر رائع لا يضاهيه إلا نزهة إلى الجبل وغداء في برمانا أو فاريا.

You may also like...

0 thoughts on “شرفتي ………. هل تغير طعم المدن؟!”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram