عيــون مريم ……. نقطة على أوّلِ الشّـطر !

مريم شقير أبو جودة

للوحشة حضورها الطاغي في زمن الهروب إلى الذات.. لها غوايتها وكلُّ ما حولنا تلطِّ وانفصام!..
أذكر يوم كنتُ أفردُ جناحيَّ على فضاءاتِ الحرية،.. أتوغل في امداءٍ لا مرئية لعالم أدمنْت سقايتَه الشمسُ.
أذكر أنني كنتُ دائماً أتجاوز الخطوط الحمرَ.. لا رغبةً بالتمايز، بل اشتياقاً لتهشيم الأقفاص!…
همّشتنا أقفاصُ الواقع،.. حوّلت أضلاع صدورنا إلى قضبان لا مرئية تحتجزُ طائرَ القلب فصرنا دون أن ندركَ سجّانين نقفُ بحذرٍ على بوابات أرواحنا،.. صرنا عسساً نحمل السوطَ لنطارد فراشاتِ النبض حين تسوّل لها ضمائر الأجنحة اختراق الحجاب الحاجز والتحليق باتجاه قنديل اللهفة وشمعة الشوق!.
صرنا ظلاميين في وضح النهار،.. مترمّدين في قانون التوهّج،.. صرنا غرباءَ عن ذواتنا نتناسى علناً مرجعية التراب، وشرعية الحبو الأول والمكاغاة الأولى في تسنّم أبجدية البوح، وتنسّم أبجديات الصمت القادم!…
كنتُ أفتحُ مائدة القلب لنوارس البحار البعيدة،.. أمّدُّ ذراعي مناراتٍ للسفن الضائعة،.. وأرسم وجهي عباد شمس، كي أكون بوصلةً لحافلاتِ الصباح.
كنت أدرك أن العالم واسعٌ، يحتضن التناغم والتضاد،.. وأن الريح مركبٌ لكل المسافرين،.. وأن الورق الأبيضَ استراحةٌ لكل المحابر والأقلام.. لا أدري، كيف تحوّلت الأقلام إلى أسنّةٍ ومديات تجد بوحها في طعن الآخر،.. وأنسها في افتعال الحريق.
لا أدري كيف ضاقت الحياةُ والصفحاتُ والقلوب،.. حتى كأن العالمَ لا يتسع سوى لصرخةٍ واحدة،.. والحقول سوى لرفقةِ الشوك؟.!
لا أدري ، كيف في لحظةٍ البياض ينزع قناعه عن ليل حالك، كيف في لحظةٍ الوردة تصير الذئب ، والساقية المترقرقة شذىً، تستعير العويل والنعيب الآســن؟..
هل العباءة تخفي الأنياب؟.. وهل الشعر الطويل المنسدل كليلٍ حين يغادر إلى الحاوية يترك القلب بلا غطاءٍ فيسلم عصافيره للمقبرة.!..
هل القصيدة بمقدورها أن تكون الطلقة؟.. وهلِ اللوحةُ الحييّةُ الخجولة، تختلسُ في غفلة من الزمن بندقية صيد من عيار القتل الأكيد؟..
كنت أعتقد الزيتونَ يبقى صنبورَ الزيت المقدّس، وشجرةَ التين لا يمكن لها أن تتركَ الحقل لتركض على طريق الالتباس.. كنت أعتقد القلبَ بيت الروح، حين يحبُّ، لا يمكنه أبدا أن يتوقف عن الحب، وأن الكفّ التي أول مرة صافحتِ الاختلاف بجرأة، لن تنسى أبدا أنامل الحبق!…
كنت أعتقدُ العقل ينضج مرافقاً للقلب، وكلاهما يكتبان رواية الحياة والشغف، ولا يكبر أحدهما بمنأى عن الآخر.. كنت أعتقد الطفولة لا تشيخ، وإن فعلت، تتساقط الأجنحة ويُـقفل الطريق إلى الحلم والتحليق!…
أقفُ عارية مثل نقطة المُبتدا على أوّل الشــــطر، وكل شيء حولي يشطرني إلى أنصافَ مصابةٍ بالذهول.. كم سأحتاج لزمانٍ كثيرٍ حتى أستعيد السطرَ العتيق، لأضع على بداية خط الحياة نقطة لا تغادرني قبل أن تكتمل العبارة، قبل أن أسقط في الفاصلة التي بين المجيء والرحيل ، بين الولادة والختام.. بين الشهوة والمشتهى .!
لســتُ الكاملة، لكنني على نقصي جملةٌ في غاية الفائدة.. ولستُ الفارسة، مع أنني رغم كل جهلي بقوانين الصهيل، أتقن التعامل مع أحصنة الفراديس التائهة..
كم حاولت تأجيل إعلان انكساري أمام الليل، لكنني الليلة أفعل، كي أقف أمام عينيّ مرتاحة الفؤاد..
أيها الفؤاد السخيُّ الفرَحِ، لن تكون أبداً اسفنجة للعويل..
أيتها الشاعرة اخرجي من شراييني إلى الورق.. ولا تغادريه إلى أحدٍ، كل الأماكن مشغولة بالوحشة والارتياب ، فاخلعي عن ذراعيك بردة القتيل.

You may also like...

0 thoughts on “عيــون مريم ……. نقطة على أوّلِ الشّـطر !”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram