رؤى ثقافية …. التهديد بالإنتحار

 

 

د. هيفاء بيطار

كثيرا ما نسمع من مراهقين – خاصة – ومن شبان عن تهديدهم بالانتحار في حال لم يحصلوا على مطلبهم من الأهل، أو في حالات خاصة من رُهاب الدراسة، حيث يخشون إلى حد الذعر من الفشل ومن خيبة أملهم وأمل أهلهم بمستوى تحصيلهم العلمي أو رسوبهم، وعادة لا يأخذ الأهل هذا التهديد على محمل الجد بل يعتبرونه نوعا من الغضب، ووسيلة من وسائل الضغط على الأهل لتحقيق مطالب الأولاد.

ولكن الطب النفسي، وخاصة الطب النفسي عند الأطفال، بين أن على الأهل أن يأخذوا تماما على محمل الجد تهديد أطفالهم بالانتحار، وبأن العديد من هؤلاء الأطفال يُقدمون على عدة محاولات للانتحار، قد يفشل بعضها، ولكن غالبا ما تنجح محاولات أخرى، حتى أن علم نفس الطفل الحديث أثبت أن هنالك جينات أو مورثات خاصة بالانتحار، وثمة أسباب رئيسية تدفع الأطفال والمراهقين للانتحار، وأوجز أهمها :

غالبا ما يكون الطفل حساسا بل مُرهف الإحساس ويتأثر بتقييم الآخرين له خاصة والديه، ويعيش ضغوطا نفسية كبيرة، غالبا ما تكون ضغوطا غير واعية، إذ يخشى لحد المهانة أن يخيب أملهما في علاماته المدرسية المتدنية، أو حين يقارنه الأهل بأقرانه الذين حققوا علامات أكثر منه، لأن هذا يُشعره بالدونية والارتباك ويقلل من ثقته بنفسه ويدفعه إلى الاكتئاب واليأس، وبما أنه مُرهف الإحساس فإن تلك المقارنة تنقلب إلى عقدة نفسية لا يستطيع جهازه العصبي محدود القدرة على تحمل تلك الخيبة والصدمة، فيلجأ إلى تصرف يائس وينتحر أو يحاول الانتحار، وعلى الأهل أن يتقبلوا المستوى الذهني ومعيار الذكاء لدى أولادهم، وأن يقبلوا أن ثمة أطفالا أكثر موهبة وذكاء من أولادهم، وبأن النجاح المدرسي ليس المقياس الوحيد للنجاح، بل هنالك أنواع متعددة من النجاح، فكم من طلاب لم يحققوا نجاحا مدرسيا لافتا لكنهم حققوا نجاحا في مجالات متعددة من الحياة العملية.

لا يجب على الأهل أو المسؤولين في المدرسة من مُدرسين أو مدراء اعتبار أن الأسباب التي يهدد بها المراهقون بالانتحار سخيفة، فهي سخيفة من وجهة نظرهم ككبار، وعادة لا يأخذونها على محمل الجد، لكنها بالنسبة لطفل أو مراهق تُشكل تلك الأسباب أزمة وجودية كبيرة واختلالا بثقته بنفسه وبالحياة، وأذكر حالة شابة في السادسة عشرة من عمرها كانت تعاني من كبر زائد في حجم ثدييها، وتسمع أمها تتحدث دوما أنها ستجري لها عملية تصغير لثدييها، وأدى تراكم معاناة المراهقة إلى انتحارها.

وأخيرا لا يخفى على أحد أنواع الجرائم المروعة التي يرتكبها بعض المراهقين، حين يقدم بعضهم على القتل بالرصاص عشرات الطلاب في مدرسة أو مكان عبادة، وثمة إشارات أو علامات تبدو غير ذات قيمة لكن لها دلالة كبيرة في الطب النفسي، فأحد هؤلاء المجرمين القُصر كان مولعا في طفولته بحبس القطط الصغيرة في دورق زجاجي محكم الإغلاق والاستمتاع برؤيتها تختنق حتى الموت، وكانت أمه تضحك معتبرة ابنها يتمتع بهواية غريبة! فهو يقتل مجرد حيوان، ولكن لذلك دلالة إجرامية وطاقة عدوانية كبيرة يملكها هذا الطفل. وأخيرا أحب أن أذكر بالتعريف الرائع والبديهي للصحة عند الإنسان كما يقول الطب النفسي: لا يُمكن اعتبار الإنسان صحيحا نفسيا وجسديا ما لم يخضع لاختبارات دقيقة في الطب النفسي، فكم من طفل أو مراهق في عالمنا العربي خضع لهذه الاختبارات!! والأهم يجب أن يأخذ الأهل تهديد أولادهم بالانتحار على محمل الجد.

 

 

 

You may also like...

0 thoughts on “رؤى ثقافية …. التهديد بالإنتحار”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram