أوعية متصلة …كلمات في مديح الرواية

محمد علي شمس الدين

في الخطاب الطويل الذي ألقاه الروائي البيروني (من البيرو في أمريكا اللاتينية) ماريو فارغاس يوسا، بمناسبة تسلمه جائزة نوبل للأدب للعام 2010، تمجيد للخيال وللقراءة.. يقول إنه من دون الخيال سنكون أقل وعياً بأهمية الحرية لتكون الحياة قابلة للعيش، وبالجحيم الذي تتحول إليه عندما يتولى أمرها طاغية.. أما لناحية القراءة، فهو يعترف بأنه كان له أساتذة تعلًّم منهم وسار على خطاهم، يذكر في هذا المجال أن من بين الذين تعلّم منهم فن الرواية غوستاف فلوبير، الذي أخذ عنه أن الموهبة انضباط صارم وصبر طويل.. ووليم فوكنر أن الشكل (الكتابة والبنية) هو ما يثري أو يفقد المواضيع.. وتعلم من ماتوريل وثربانتس وديكنز وبلزاك وتولستوي وكوزاد وتوماس مان، أن الإعداد والطموح مهمان في رواية مثل أهمية القوة الأسلوبية والاستراتيجية السردية.. أما جان بول سارتر فعلّمه أن الكلمات أفعال، وأن الرواية والمسرحية والمثالية المرتبطة بالواقع، والتي تقدم أفضل الاختيارات، من الممكن أ‍ن تغيّر مجرى التاريخ.. ألبير كامو وجورج أورويل علماه أن الأدب الخالي من الأخلاق هو أدب لا إنساني.. ومالاروكس علّمه أن البطولة والأسطورة يسعهما هذا الوقت بالذات كما وسعت الأزمنة الغابرة المغامرين والإلياذة والأوديسة.

في كلمات ماريو فارغاس يوسا، وهو أستاذ معاصر في فن الرواية، تركيز على عنصرين أو ركنين في الفن الذي هو اليوم، في مقدمة الفنون، أحدهما يتعلق بالمتخيل والآخر بالدربة الثقافية، والحال أن هذين العنصرين هما من العمومية، بحيث يصح افتراضهما في أي زمن آخر غير الرواية.. فالشعر ليس بعيداً عن هذا، ومثله المسرح، والرسم، وجميع الفنون الأدائية، فضلاً عن الفنون الأدبية.

والرواية، وهي الشكل الفني الأكثر تطوراً للحكاية، هي في الأصل البشري تلبية لحاجات، منها التوازن والمعرفة والتسلية والمتعة والنطق برؤية منشئها (على ما يرى الناقد اللبناني د. عبد المجيد زراقط في كتابه عن الرواية).

إن انتصار فن الرواية في العصور الحديثة كرّس انتصار النثر والسَرْد، كأداة وأسلوب، لكن ثمة نقاط تقاطع بين الرواية والشعر، أبرزها القلق الدائم وعدم الثبات، يقول الناقد الروسي باختين: الرواية هي النوع الأدبي الوحيد الذي لايزال في طور التكوين، ويقول روجيه آلان: إن الرواية نمط أدبي دائم التحول والتبدل يتسم بالقلق، فلا يستقر على حال، وكلاهما (أي الرواية والشعر) كشف مستمر، على ما يقول كونراد.

ومع ذلك، فقد قفزت الرواية في الغرب مع تجارب أمثال بلزاك وتولستوي ودستوفسكي وديكنز وأمادو ومركيز، وفي الشرق مع أمثال نجيب محفوظ والطيب صالح وجمال الغيطاني وبهاء طاهر إلى صدارة الأنواع الأدبية، ورفدت السينما بالمادة والموضوع.

ولعل القصة القصيرة، وهي فن آخر من الفنون الحديثة، وليست بالضرورة أصلاً من أصل الرواية أو تفريقاً منها، هي من الفنون الأكثر قرباً من الشعر والتصاقاً به، فهي قادرة على تكثيف الزمن وتكثيف الحركة والحدث.. كما أنها، كالقصيدة، تعمل على تكثيف اللغة وتحويلها من السيولة الروائية السردية والثرثارة أحياناً، إلى الخطف والبرق اللغوي الذي يختص به الشعر.

 

You may also like...

0 thoughts on “أوعية متصلة …كلمات في مديح الرواية”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram