شرفتي……………. مدرسة حسن الخراط

بقلم رئيس التحرير الدكتور وليد السعدي

في رحلة عشق أبدية ودائمة إلى دمشق الشام شدني هذه المرة وحن بي الحنين لأن أزور مدرستي الإعدادية بدمشق، وهي التي سميت باسم المجاهد الدمشقي (حسن الخراط) وهو أحد أهم قادة الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي لسوريا (1861- 1925)، المهم أن (حسن الخراط) المدرسة تقع في واحد من أهم أحياء دمشق وهو حي القنوات العريق، وكان يسمى قديمآ (حارة البكَوَات والباشوات)، أسسه الأثرياء من أهل دمشق بعد أن ازداد عدد سكانها الدمشقيون، وضاقت بهم حارات وأزقة دمشق القديمة داخل السور، فبنوا البيوت الواسعة، التي مازال بعضها قائماً ومسجلاً أثرياً، وانتقلوا للعيش فيه، حيث جعلوه خارج سور دمشق القديم، وهو أيضا يقع بين أحياء دمشق القديمة والعريقة، وأخذ حي القنوات اسمه من أحد فروع نهر بردى الذي يتفرع من ناحية الشادروان، حيث يخترق هذا النهر الحي وتسيل مياهه ضمن قناة رومانية محمولة على قناطر حجرية لكي تتم من خلاله سقاية المدينة القديمة، ولا تزال هذه القناطر ظاهرة للعيان، كما عرفت المنطقة بوجود أسر دمشقية قديمة وعريقة قدمت العلماء والكتاب والتجار وأصحاب المهن.
ولجت درج حسن الخراط لأراها وقد فوجئت بأنها تحولت إلى جمعية خيرية، وبعد صعوبة وصولنا إلى الجرس وبعد أن قرعناه أنا وصديقي في الرحلة رجل الأعمال الفلسطيني السوري السيد عصام كبرة والذي كان في زيارة إلى دمشق، وصل إلينا الناطور ليفتح ويدخلنا إلى مسؤولة الجمعية، وبدورها طلبت منا عدم التصوير بعد أن شاهدتني أستل هاتفي الذكي لالتقط بعض الصور، المدرسة ما زالت على حالها وما زالت مصنفة ضمن التراث العالمي لأن تاريخ بنائها يفوق المائة عام، وفيها من الرخام والزخارف والعشبيات الرخامية ما هو غير موجود في أهم الأماكن الأثرية إضافة إلى الأرض أو الباحة التي قضيت فيها ثلاث سنين من عمري المدرسي وهي بالكامل من الرخام الأبيض المعرق بالورود والأشجار، وودت لو رأيت بعد كل هذه السنين ناطور المدرسة، وهو الذي كان يحرسنا ويتابعنا في فضاءاتنا المدرسية ويلملم ما يتساقط منا هنا وهناك، ويستقبلنا بابتسامة ويودعنا كذلك، وددت لو رأيت ذلك المدير الضخم الذي كانت تهتز الأرجاء من صولاته وجولاته في الباحات والساحات وكأنه قائد فيلق عسكري أو وحدة مساندة أو اقتحام، صارم في النظرة، في التعامل، في الحديث، لكنه أب حنون لكلنا حين يتطلب الأمر، وددت لو أدري أين هم أصدقاء الدراسة، أصدقاء المقعد، مع أنني صادفت منهم الكثيرين في حياتي لكن وددت لو وجدت بعضهم في المدرسة في زيارتي إليها أو في دمشق، مررت أنا وصديقي على الصفوف واحداً واحداً، وعادت بي الذاكرة والحنين لأصف له كل صف وكل غرفة ومن كان بها وأي صف كانت تضم، ومررنا على صالة الرياضة والموسيقى التي كانت تعمر بالأصوات الرائعة، وهي بحق صالة موسيقى من الطراز الأول لما تحتويه من نقوش وزخارف علوية وحائطية، وحتى على الأرضية التي زينت أيضاً بالنقوش الرخامية البديعة.
في نهاية الجولة التي استغرقت قرابة الساعتين نزلنا من المدرسة إلى السوق أو شارع القنوات، لأجد أن أغلب الباعة والمحلات قد تغيرت ولم يبق سوى الدكاكين والحجارة العتيقة، لكن رائحة الشوارع القديمة ما زالت هي هي، وروحانية المكان ما زالت هي هي، وبعض الناس ما زالوا يمرون من أكثر من عشرين عاماً بنفس المكان وقد شاهدت البعض منهم.
سقا الله أياماً كانت لنا هي الحياة.

You may also like...

0 thoughts on “شرفتي……………. مدرسة حسن الخراط”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram