أوعية متصلة…… مملكة النساء

أشعار الحبّ أو الهوى التي كتبها الشاعر الروماني (أوفيد) من نحو ألفي عام خلت، قطعت مسافة الزمن، ووصلت إلينا في هذه اللحظة الراهنة، على اختلاف اللغات والأحوال.

عمر أشعار (أوفيد) هو على وجه التقريب من عمر المسيحيّة، إذ إنه ولد قبل ولادتها بقليل، سنة 43 قبل الميلاد، وتوفي وهي لاتزال في سنّ الطفولة، في السنة 17 أو السنة 18 للميلاد.

والمراجع التي استند إليها من حققوا ونشروا أو ترجموا أشعار هذا الشاعر في فنّ الهوى، ومن بينهم الشاعر السوري علي كنعان، الذي كان آخر من نقل إلى العربية أشعار (أوفيد) من خلال كتاب سمّاه (قيثارة حب)، بتكليف من المجمع الثقافي في أبوظبي، وصدر في العام 2003، نقول إنّ هذه المراجع تشير إلى ولادة الشاعر (بوبليوس أوفيد يوس ناسو) في أسرة ميسورة في مدينة صغيرة وجميلة تدعى (سولمو) –سولمونا اليومفي مقاطعة أوبرتسي على شاطئ الأدرياتيكي، وهي تقع على مسافة 90 ميلاً (140 كلم) شرقي روما، ويتحدث الشاعر عن جمالها الطبيعي الخاص كما لو أنه شاعر أندلسي يتغنى بغرناطة أو قرطبة.

المعلومات المتوافرة حول حياته العائلية والاجتماعية قليلة، وهي قطعاً لا تُقاس بشهرة أشعاره العذبة التي كتبها في الحب، وشاء أن يكون منسوباً إليها من دون أي فنّ آخر من فنون الشعر (الملحمي، الوصفي، المسرحي، الخمريات.. إلخ). فحين يذكر شعر الحب، لا في اللاتينية وحدها التي كتب بها الشاعر أشعاره، بل في جميع لغات العالم، يذكر معه اسم (أوفيد).. كما يذكر اسم هوميروس حين يذكر شعر الملاحم، وأبو نواس حين يذكر شعر الخمرة.. فإنّ فنّ الهوى الذي كرّس له أوفيد حياته وأشعاره، دَفَعَ اسمه بدفعة قوية، وهي ليست بالقليلة على كل حال.

(2)

تأخرّ وصول شعر (أوفيد) إلى العربية ألفي عام إلاّ قليلاً، حيث إن الترجمة المشهورة التي قام بها ثروت عكاشة لكتاب (فن الهوى) لم تظهر إلا مع نهايات القرن العشرين، كما أنّ ثمة ترجمات مجتزأة حصلت من خلال اهتمامات أكاديمية في بعض الجامعات، لكنها لا تقدّم الصورة الأكثر اكتمالاً لهذا الشاعر، التي سبقتنا اللغات العالمية إليه بمراحل.

وعلى الأرجح، فإن العمل الضخم الذي قام به علي كنعان، بترجمته لأهم أشعار (أوفيد) إلى العربيّة، من خلال كتابه (قيثارة حب)، يسدّ نقصاً فادحاً في المكتبة العربية، ويلبي بنسبة ملحوظة من الشعرية والصيغة، متطلباتها الصعبة.

لقد قام كنعان بنقل نصوص شعرّية مفعمة بالرموز والأساطير، ومكتوبة على الأوزان اللاتينية القديمة، التي ابتعد بها (أوفيد) عن الأوزان الملحمية، ليضفي عليها غنائية الشعر الذي اختاره في الغزلإلى لغة عربيّة رائعة نثرية، لكنها ذات نبض شعري، وتشيع في نفس قارئ العربيّة شعوراً بالارتياح والخفة والسخرية التي وسمت أشعار صاحبها، كما تثير في نفسه أيضاً رغبة في إنعاش ذاكرة الحب في الشعر العربي، أو بشكل أدقّ ذلك الجانب الحسّي المادي والحكائي من شعر الحب، الذي أسسه عمر بن أبي ربيعة، واستكمله نزار قباني، على فاصل ألف عام من الزمان ونيف بين الرجلين، فكأنهما معاً هما (أوفيد العرب).

محمد علي شمس الدين

You may also like...

0 thoughts on “أوعية متصلة…… مملكة النساء”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram