شرفتي هواتفنا.. وحبنا الافتراضي

بقلم رئيس التحرير :الدكتور وليد السعدي

كم كنا نترقب الرسائل البريدية؟.. كم كنا نعيد القراءة مرات ومرات ونبحث بين الأسطر وبين الأحرف؟ وكم كنا نشتم عطر ذلك الورق.. بل عطر ذلك الحبر وخاصة إن كانت الرسالة من قريب أو حبيب؟.
عشرون مرت مر السحاب فوق الأرض، والأرض تتغير والسحاب يمطر أحياناً وأحياناً يلوح لنا.. في المرات القادمة عله يعود علينا بقطرات المطر والحب، عشرون مرت على ذلك التطور التكنولوجي الهائل في كل شيء حتى في الشعور نحو الآخر، في الاهتمام بتفاصيل الآخر مهما كان ذلك الآخر أم، أب، أخ، صديق، حبيب، عشرون بل أكثر من عشرين عاماً مرت على تلك الهزات الأرضية والقلبية ونحن ما زلنا نبحث عن بقايا وغبار ذلك الزمن الذي أسميه جميلاً والكثيرون لا يعتبرونه كذلك، لأنه لم يكن فيه هاتف ولا أدوات بحث ولا غوغل ماب ولا كومبيوترات بنفس انتشارها اليوم، عشرون مرت وكان القلب .يدق فرحاً لمن نحب كلما مر خياله في بالنا أو كلما فتح نافذة شباكه، واليوم لم تعد دقات الرسائل والهواتف تحرك فينا أي إحساس بل في أغلبها مزعجة لأن فيها الكثير من الغث والسمين، وعدم المصداقية، عشرون مرت وكانت المسافات التي تنقل فيها الرسائل مسافات حب واشتياق وإن بعدت، واليوم الأمتار لم تعد كافية للوصول، ولم يعد هناك ذلك الاشتياق وذلك الحب، أصبحنا منكبين على أنفسنا في ذلك اهاتف اللعين، كل حياتنا معلقة فيه، كل آمالنا معلقة برسائل نصية أو برسائل واتس أب أو حتى ايميل إلكتروني، كل هذه الاختراعات لم تصل لرائحة الحبيب ولم تكفينا يوماً عن ضمة حبيب اشتقنا إليه، إنه الهاتف أو الموبايل الذي الغى كل شيء فأصبحت القبلة هي صورة، والضمة هي صورة، والزعل والفرح مجرد بوستات صور مزركشة بما يليق بصاحبها وبما يليق بمرسلها، ولم يعد القلب موطن الحبيب بل الهاتف النقال موطن كل شيء، وعليك أن تتأقلم مع هذا الموطن، كنا ننتقي الكلمات لنسطرها عبر الرسائل ونعيد ونعيد، أما اليوم فكل شيء جاهز حتى مشاعرك هم من يصوغونها لك برسائل أو صور وما عليك إلا ضغط الزر للايك، وما على الطرف الآخر إلا الاستقبال وأحياناً عدم الاستقبال إذا كنت قد أرسلت له بوست أو تعليقا أو صورة أزعجت المستقبل.
وضعوا لنا صوراً للاستخدام لكل شيء.. للقبلات والقلوب والشجر والبشر والأعشاب والطائرات وحركات الأصابع، وعليك الفهم والاستقبال والرد بالمثل، لأن الرسائل الهاتفية الطويلة لم تعد تقرأ أيضاً، فالحب والاشتياق والبعد والفرح والحزن أصبحت حالات موجودة في هواتفنا تفتح عليها الأبواب والإرسال في أي وقت تشاء ولمن تشاء، إنهم ثوار عصر المعلوماتية يقيمون بيننا في قلوبنا وبيوتنا وجيوبنا وحقائب نساءنا وفي أيدي صغارنا، في الأوقات كلها وعليك الانصياع لأمر الثوار، فالأمر بيدهم والنهي بيدهم، إنهم ثوار اختصار المسافات بل حيز الوقت والحياة واختصارها بشكل بشع أصابنا في الصميم ودفعنا في حب افتراضي وحس افتراضي وفرح وحزن افتراضي حتى أصبح عالمنا افتراضياً،
وماذا بعد؟.

You may also like...

0 thoughts on “شرفتي هواتفنا.. وحبنا الافتراضي”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram