الحب لا يصنع المعجزات

الحب لا يصنع المعجزات

إذا دخل الفقر من الباب خرج الحب من الشباك!

وقد يستغرب البعض ويتساءل كيف يجوز للزوجة أن تتخلى عن شخص أحبته لعدم قدرته على تحمل نفقات بيته، فتأتي الإجابة بلا تردد: إذا دخل الفقر من الباب خرج الحب من الشباك.

أبوظبي – ميسون الرشيد

تنظر إحدى المحاكم في الوقت الراهن قضية سيدة مجتمع تطلب الطلاق من زوجها الذي بدد ثروته، ورهن جميع ممتلكاته، وأصبح عاجزاً عن القيام بواجباته العائلية، لافتة إلى تحملها كافة أصناف التعاسة والبؤس من أجل الحب الذي ربط بينها وبين زوجها، غير أن هذه العاطفة ذهبت مع الريح، بعد أن حرمها الفقر من السعادة التي كانت ترفرف يوماً ما في أرجاء بيتهم العامر بالحب والطمأنينة، وأشارت الزوجة في دعواها إلى أن للحب مقومات تفرضها الظروف، وتؤكد عليها متطلبات الحياة العصرية، فإذا ذهبت هذه المقومات ذهب الحب أيضاً إلى حيث أتى.

المجد الضائع

ليس من المحتمل الاستمرار مع زوج عاجز عن توفير أدنى متطلبات الحياة، الحب لا يصنع المعجزات، بهذه العبارة تؤكد سهيلة م. المنصوري (طالبة دكتوراة) رغبتها في الانفصال عن زوجها الذي خسر جميع مدخراته في سوق الأوراق المالية، ولم يعد قادراً على القيام بأقل واجب تجاه أسرته التي يتجاوز عدد أفرادها الثمانية أشخاص، وتضيف سهيلة مؤكدة استنفادها كافة الوسائل التي تسهم في بقائها إلى جانب زوجها، كما تشير إلى أن الحب لم يعد له معنى في ظل الفقر والحرمان، خصوصاً أن أهلها يرفضون تقديم يد العون لرجل قادر على العمل والعطاء، وتضيف: ما زال زوجي يرفض العمل كموظف بأجر شهري، لاسيما أنه ظل حتى هذه اللحظة يعتقد أنه رجل أعمال كبير، وأن ثروته المفقودة ومجده الضائع سيعود إليه عاجلاً أم أجلاً، دون أن يعلم أنني مللت الانتظار، والجري خلف السراب.

أذيال الخيبة

سهيلة ليست الزوجة الوحيدة التي تؤكد أن الحب يهرب من الشباك في اللحظة التي يدخل فيه الفقر من الباب، حيث تشير أم أحمد (ربة بيت) إلى أن زوجها الذي التقته خلال المرحلة الجامعية فأحبته حباً تعجز عن وصفه قرر تسريحها بإحسان حينما فقد وظيفته وفشل في العثور على وظيفة أخرى تسد رمق طفلتهم الوحيدة، وتستر حال غربتهم التي أحالها الفقر إلى جحيم.

وتضيف أم أحمد بقولها: عدت إلى بلدي أجر أذيال الخيبة والفشل بعد أن طلقني زوجي دون أن يبلغني بهذا القرار الصعب، علماً أنني لم ألمه على هذه الخطوة القاسية، فلربما تيقن أن أحاسيسي المتأججة تجاهه أصابها الجفاف، وأن الحب الذي جمع بين قلبينا اختفى عند خط الفقر.

نار الخلافات

وللرجال نصيب من هذه القضية الشائكة، حيث يقول أحمد ع. المحمود (محاسب) أن والده لعب دوراً كبيراً في زواجه من ابنة شريكه في المال والأعمال حتى يضمن بقاء الثروة في مكانها الطبيعي، غير أن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن الشريكين، حيث خسرا في إحدى الصفقات أغلب ما يملكان من ثروة، وتوالت الخسائر لتشتعل نار الخلافات بين الشريكين ويمتد لهيبها إلى الزوجين اليافعين اللذين بنيا سعادتهما على ثروة الأبوين الكريمين، وتفاقمت الخلافات بين أحمد وإيمان لتصل إلى طريق مسدود على حد قوله، فلا الزوجة قادرة على تحمل الوضع الجديد، ولا الزوج لديه القدرة على توفير متطلباتها التي أصبحت جزءاً من الماضي.. ويستطرد المحمود لافتاً إلى أن الطلاق كان النهاية الحتمية لهذه التجربة القصيرة التي لم يكتب لها النجاح.

أضغاث أحلام

من جهتها تؤكد نجلاء م. الأحمر (سكرتيرة) أن الحب والفقر خطان متوازيان، وأن الحبيبة التي كانت (تتغدى جبنة وزيتون وتتعشى بطاطا، ثم تنام في آخر المطاف على بلاطة) أصبحت من أساطير الأولين، حيث تغيرت إيقاعات الحياة، واختلفت متطلباتها في زمن سيطرت فيه المادة على كل مناحي الحياة، ولم يعد الحب وحده كافياً لتأسيس أسرة سعيدة، فضلاً عن ذلك فقد قل صبر النساء، ولم يعد لديهن جلد لتحمل النكبات التي تحدث دون سابق إنذار، الأمر الذي أدى إلى هدم الكثير من البيوت الآمنة.

وتروي الأحمر حكاية صديقتها ريهام التي اضطرت إلى التخلي مرغمة عن خطيبها إثر فقدانه لوظيفته، وعجزه عن الوفاء بوعوده التي تضمنت الكثير من الآمال والأحلام، من بينها تحديد مراسم الزواج العام المقبل، حيث أصبحت الوظيفة الجديدة ضرباً من ضروب المحال، الأمر الذي دفع ريهام إلى ضرب أخماسها في أسداسها لتصل إلى قناعة بأن هذه العلاقة في طريقها إلى طي النسيان، خصوصاً أن قصة الحب العاصفة بدأت في التذبذب والتأرجح، ولم يعد الخطيبان يتحدثان عن المستقبل الذي تحول ما بين يوم وليلة إلى أضغاث أحلام، وفي ظل الضغط الذي تمارسه الأسرة على ابنتهم قررت ريهام إنهاء علاقتها بخطيبها الذي أصبح لا يملك قوت يومه.

الاتجاه المعاكس

اختلفت آراء الناس حول المقولة المأثورة التي تشير إلى خروج الحب من الشباك عندما يطل الفقر برأسه من الباب، فهناك من يرى أن الفقر أحد العوامل التي تدمر صرح الحب، فيما يرى البعض الآخر أن الحب الحقيقي يتحدى المعجزات، حيث تقول شيخة عبيد (موظفة) أن الحب مهما كان صادقاً وقوياً لا يصمد طويلاً أمام جبروت الفقر الذي يقضي على الأخضر واليابس من مشاعر إنسانية، فالحب وحده لا يكفي لبناء أسرة سعيدة إلا في دنيا الخيال، أو العالم الافتراضي، أما بوصلة الواقع فتسير نحو الاتجاه المعاكس الذي توضح أن المال عنصراً من عناصر السعادة في العصر الحالي، وأن الفقر هو المتهم الأول عند وقوع العديد من المشاكل الأسرية.

عصر المادة

تتضامن مليكة فكري (موظفة) مع الرأي السابق، لافتة إلى أن مقولة (إذا دخل الفقر من الباب، هرب الحب من الشباك) لم تأت من فراغ، بل هي وليدة تجارب ومواقف أدت في نهاية الأمر إلى الوصول إلى هذه النتيجة السلبية، التي تفصح عن عدم قدرة الحب على المحافظة على توهجه، وجذوته حينما تهب رياح الحاجة والعوز التي لا تبقي ولا تذر، خصوصاً أن العصر الحالي هو عصر المادة التي هيمنت على الأحاسيس، وسيطرت على كل شاردة وواردة، فالمال يتحدث حينما يصمت الآخرون، والفلوس التي تشتري العواطف وتبدل المواقف جديرة بالإجهاز على الحب في أقرب منعطف إذا وقعت واقعة الفقر، وذهب المال إلى حيث أتى.. وتستطرد: حين يلقي البؤس بظلاله على المحبين، تبدأ الأحاسيس في الاضمحلال والانحسار، ليرفع الحب رايته البيضاء معلناً خروجه من الشباك.

معطيات العصر

في سياق متصل، يؤكد المصور والمخرج التلفزيوني حسن النقبي أهمية المادة وتأثيرها على جميع مناحي الحياة، بيد أنه يرى أن الحب الحقيقي لا يخضع للقوانين ولا النظريات، كما لا تهزه رياح الفقر العاتية مهما كانت قسوتها، إضافة إلى ذلك فالمحب الذي يتخلى عن حبيبه أو شريك حياته لتعرضه لأزمة مادية غير جدير بهذه العلاقة السامية التي يضحى البعض من أجلها بحياتهم.. ويشير النقبي إلى وجود نماذج رائعة من نكران الذات والتضحيات التي بلغت حداً لا يصدق، مشيراً إلى أن معطيات العصر تجبر ذوي المواقف غير الثابتة على تغيير مشاعرهم وتبديل عواطفهم وفقاً للأحوال المادية والظروف الاقتصادية.. ويسترسل النقبي لافتاً إلى أن الزوجة التي لا تقف مع زوجها في أزماته المادية وفي السراء والضراء لا تستحق لقب شريكة حياة، ولا ينبغي للزوج الشعور بالأسف لخروجها من حياته.

الناس معادن

يتفق إسماعيل العلي (موظف) مع النقبي، ويذهب إلى أبعد من ذلك بقوله: الظروف المادية المتقلبة لا تقتصر على شخص دون آخر، حيث يلعب القدر دوراً كبيراً في ما يحدث للزوجين من ظروف غير متوقعة، ما يستدعي وقوفهما إلى جانب بعضهما البعض مهما كان حجم المشكلة، لاسيما أن المشاركة في الضراء لها وقع أشد من المؤازرة في أوقات السعادة، حيث تكشف الأيام الصعبة معدن شريك الحياة، ومدى حبه للطرف الآخر، وكما يقول المثل (الناس معادن).. ويؤكد العلي أن الزمن تغير، وأن الحياة دارت دورتها، ولم تعد المفاهيم هي ذات المفاهيم التي تربت عليها أمهاتنا وآبائنا، وبالرغم من ذلك ينبغي أن يحافظ الناس على قيمهم ومبادئهم لتستقر الأحوال العامة، وتتقلص المشاكل الاجتماعية والأسرية.

المال والبنون

أما أكرم الشيخ (موظف) فيقول: إن الفقر ألد عدو للإنسان، ما دعا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجه إلى القول (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)، أما الغنى فبلا شك يجلب السعادة، وإن اختلف الناس حول هذا الموضوع، إذ يعتبر البعض السعادة مسألة نسبية يختلف مفهومها من شخص إلى آخر، لكن الله سبحانه وتعالي يقول في كتابه الكريم (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، الأمر الذي يؤكد أن لا سعادة بلا مال أو بنون، من هذا المنطلق يجوز لنا أن نتفق مع المثل القائل (إذا دخل الفقر من الباب، خرج الحب من الشباك).. ويضيف الشيخ لافتاً إلى أن الحب يتأثر سلباً بالعوز والفاقة، ولا يمكن الجزم بأن الحب الحقيقي لا ينحني للعاصفة، فهناك حب صادق تجبره الظروف إلى الهروب من الشباك، وفي حالات نادرة يبقى المحب إلى جانب حبيبه متحدياً لكل الظروف والعواصف حتى تصل السفينة إلى بر الأمان.

الدعم النفسي

هل يلعب الفقر دوراً رئيساً في خروج الحب من الشباك؟ سؤال تجيب عليه الدكتورة مها عبد الحليم الاختصاصية النفسية، وأستاذة علم النفس التربوي في جامعة (المجمعة) بالمملكة العربية السعودية بقولها: يعتبر الفقر من أكبر المشاكل التي تترك أثاراً سلبية في الأسرة، حيث يفقدها الكثير من مقومات الاستقرار والنجاح والتقدم، وبالتالي يؤثر ذلك على طبيعة العلاقات داخل الأسرة، كما يؤثر بالقدر نفسه على علاقتها بالمجتمع والآخرين، وتشير عبد الحليم إلى أن أثر الفقر على العلاقات العاطفية كبير جداً بدأ من الآثار النفسية بسبب الحرمان من أساسيات الحياة، وصولاً إلى الحرمان من الرفاهيات في أبسط صورها، وهي مسألة نسبية حسب المجتمع الذي تعيش فيه الأسرة.

من جهة أخرى تؤكد عبد الحليم أن أفراد الأسرة طالما يعانون من الحرمان وضيق ذات اليد، لا بد أن تلقي هذه الحالة بظلالها على الدعم المعنوي والنفسي، وبالتالي العاطفي، وما يتضمنه من حب ومودة، ما يؤدي إلى اضطراب في العلاقات، ويمكن تلخيص الآثار المترتبة على عدم القدرة على الإنفاق في حدوث حالة من الركود العاطفي، وما يترتب عليه من آثار سلبية كعدم الشعور بالحب، أو الغيرة على الطرف الآخر، في ظل غياب القناعات، وكثرة المغريات، علماً أن فشل العديد من الأسر في التوافق يؤدي في النهاية إلى النتيجة المعروفة سلفاً، ألا وهي الطلاق، ما يؤكد أن الفقر إذا دخل الفقر من الباب خرج الحب من الشباك.

You may also like...

0 thoughts on “الحب لا يصنع المعجزات”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram