الروائية والشاعرة اللبنانية نسرين بلوط فراشة تحلّق بعيدا

** لهذا السبب كتبت الخطيئة ،،!؟
** الكتابة سحرٌ لازوردي عتيق يحتكر التفنن والتوصيف .
** الحنين هو من يميد بي دائماً، فهو الناي الذي يبحّ في حنجرة القصيدة،

المنارة : عمر شريقي

نسرين ياسين بلوط شاعرة وروائية لبنانية تخرجت من جامعة أتاوا الكندية سنة 2002 . تحمل إجازة في إدارة الأعمال من جامعة أوتاوا ، كندا ، لها من الشعر ثلاث دواوين: أرجوان الشاطئ عام 2010، ورؤيا في بحر الشوق صادر عن الجزائر عام 2011، ومهربة كلماتي إليك 2013، وأخيرا رواية الخطيئة ، بالإضافة إلى كتابة الروايات والقصص القصيرة.
شاركت في عدد من المهرجانات والأمسيات الشعرية في وطنها لبنان وخارجه في الجزائر المغرب وتونس. مهرجان فاس المغرب- مهرجان بوسالم تونس- الصالون الادبي في سوسة – الصالون الأدبي في توزر- أمسيات في كازابلانكا المغرب- أمسيات في نادي الإعلام الثقافي في الجزائر ونادي الجاحظية وضيفة شرف في الصالون الدولي للجزائر.
ويسرنا أن تكون ضيفة عزيزة في هذا الحوار فتابعوه معنا :
– تميّزت المرأة عبر العصور القديمة والحديثة بمشاركتها الفاعلة في شتى المجالات؛ فلعبت دور الشاعرة والملكة والفقيهة والمحاربة والفنانة. وما زالت المرأة حتى العصر الحالي تتعب وتكد في سبيل بناء الأسرة ورعاية البيت، ماذا تريد نسرين بعد كل هذا ؟
المرأة في اللغة الأدبية تعبير مجازي لطائر مغرّد يجوب القارات منشداً للحرية محتكراً للعنفوان الأبدي، ولكنه في لغة الواقع احتدام مرير مع قدسية الرجل وتصنيفه القائد المطاع في ذهنية مجتمع منغلق. ما أريده تريده كل امرأة حرّة تسعى للحرية الغير مجحفة في حق كرامتها، والإنصاف المتأني في تقدير تراثها الأدبي والفكري والمعرفي، هي لم تعد تساق إلى دار زوجها مكبّلة بأغلال الخنوع والصمت، الفكر تطور والعلم تقدّم وما زالت سمعة البيت والاعتناء به تلاحقها، ولهذا قد ترى سيكولوجياً بأنّ بعض النساء يؤثرن عدم الزواج حتى لا يرغمن على تطبيق قوانين المجتمع الشرقي.
– رواية الخطيئة ،، نسرين بلوط هل وصفت الدواء الشافي من خلال سردها لتلك الرواية ؟
الخطيئة كانت ابتكاراً مميّزاً ممتزجاً بين الدنيوية والدين، وركزت على الفترة الواقعة بين عامي 184 و 1875، ابان الاحتلال العثماني وثورة طانيوس شاهين، والبطلة المارونية ميرا شاور التي تتخذ من الكهف ملاذا لتصوفها فيتمثل انفلاتها الديني في عشقها الغير منتظر لشاب درزي يدعى عابد، لتجرّد هذا الكهف من رمزيته التاريخية في الدين والمغزى، وتتحدى المعنى الصلب الخالد له في الكتب السماوية، ويصبح وكراً للخطيئة والانحلال فتدخل الدير عله يطهّرها من الإثم وينتشلها من بؤرة الضياع ليتضح لنا بأن الهروب حلٌّ يخفض جناحيه تواضعاً للخائفين والعابرين ولا يغوص في عمق الآفة، والدير يصبح سجناً لها لأنها لم تعتنقه اقتناعاً بل هرعت إليه لتحتمي من ذنبها. وقد سلطت الضوء في الرواية على المجتمع الإقطاعي السائد في ذاك العهد والذي تفككت أواصره مع ثورة شاهين الذي ورغم استبساله وشجاعته اتُّهم بالخيانة والتآمر مع المحتل.
– إذن ميرا لديها مخزون سردي مفعم بالحب , لكن أسأل الكاتبة لماذا الخطيئة ألا ترين أن فيها اجحاد وظلم تجاهها ؟
الخطيئة لا تتمحور على ميرا فقط، الخطيئة كانت في الشك، في الغدر، في التخلي والتنصل من العهود، في الخنوع الأعمى للسادية، في التجرد من العطف والمسؤولية، هنا أرمز بأن خطيئة الجسد ليست من أكثر الخطايا بلاءً وشراً، العتمة المنسدلة بدلالاتها في النفوس هي خطيئة أكبر والخيانة أكثر فتكاً..إلى ما هنالك…ميرا كانت معبراً جوهرياً للسرد وتوهجت شخصيتها من دون كلفة لأنها عانت وأقرت بما اقترفت أمام الله ثم أمام الآخرين. وقد قال غاندي :”الخطيئة هي أعظم من اضطهاد بريء باسم الله”. وقد أبرأت ميرا في صورة التائبة وليس الخاطئة في روايتي وسحبت خطيئتها للنور لتتحدى غياهب الظلمة.
– نسرين كما أنها مبدعة في كتابتها للرواية كذلك متميزة شعرا ، كيف تولد لديك الأجناس المختلفة التي تكتبينها ، ام هي تأتي هكذا؟
الناس أجناس وكذلك القصائد هي أجناس واحساس. الحنين هو من يميد بي دائماً، فهو الناي الذي يبحّ في حنجرة القصيدة، هو الغالب في انطباعي الميتافيزيقي للأشياء التي أبحث عن ماهيتها من خلال الإحساس. فأسبر النجم في الفضاء وأطل على صديقي البحر أجدل ضفائر موجه في بحث دائري عن نفسي وعن ماهية الكون من حولي.
– في وقتنا الراهن نلاحظ كثرة الشعراء هل برأيك اليوم تصح مقولة أصبح الشعر استهلاكي ولم يعد يوثر في بنية المجتمعات أو مضامينها ؟
هنالك الكثير من الكتاب على ساحة الشعر.. منهم من قرّر فجأة أن يكون شاعراً واستبسل من أجل الوصول إلى مكان لا ينتمي إليه فقط للفت الأنظار، ولم يدرك أنه مثقال ذرّة فكرٍ يرى، وأن حب الظهور سيؤدي به إلى التهلكة والعدم بسبب عدم أهليته، ومنهم من ادّعى أنه ابتكر مدرسة جديدة ولكن الشاعر الحقيقي هو الذي يولد شاعراً يتجوّل في الأفلاك كالنجم ويخاطب البحر ويحيي الميت من الجماد باحساسه فقط. من هنا يأتي النقد في مقالاتي سواء في الرواية أو الشعر لأن الغربلة هي فن عميق يتطلب مهارة في تقليب الاسلوب السردي والحبكة والمشكلة وصولاً إلى الحل، وإلى المدرسة أو الحقبة التي تحاول الرواية الانتماء إليها. الزمان قد لا يكون مهماً أحياناً فقد تجاهله كتاب كبار أمثال عميد الأدب طه حسين في روايته المعذبون على الأرض ليركز على النماذج البشرية الشقية في المجتمعات ولكن الحبكة والانتقال بالقارئ من المهد إلى اللحد في السرد والحوار هو من يحكم على خبرته وحنكته.

– لو قارنا “الخطيئة ” وروايتك “مساؤك ألم”، ما القواسم والفواصل المشتركة بينهما ؟
لا قواسم مشتركة، الزمان مختلف والرهبة والتقنية السردية، باستثناء الاحساس الطاغي وتقمص الشخصيات حدّ الذوبان بها.
– في حوار سابق أشرت الى أن المرأة الشرقية مهمشة الى حد ما ،، ماذا تقصدين بالتهميش ؟
التهميش دائري لا فكاك منه في مجتمعٍ شرقي ما زال يؤمن بالسحر والتنجيم وصلابة الرجل وحده وقدرته على شقّ البحار، وجلب المحال، وايداعه في هالة الرجولية الفذة، ويهمش من دور المرأة في تذليل الصعاب وامتطاء صهوة الابداع والابتكار. فيتطور الزمن وتبقى الإعتقادات البالية سائدة في هرج ومرج.

– للأدب مفاهيم عديدة ولدى كل شاعر وأديب مفهوم خاص ، ما هو مفهومك للأدب والثقافة عامة – وللشعر النسائي خاصة لدى نسرين بلوط ؟
الأدب كاليم المتلاطم الأمواج لا قرار له ولا حد ولا مدى محدد.. يغسل أقدام الصخور بالمعرفة والعلم ليلين من صلابتها..هو مملكة الساعي إلى نفسه ورحيق القلم المتعطش للنور..والشعر النسائي فنّ متبلور يشق لجج الخطر بثبات ولا اختلاف بين شعر المرأة والرجل إلا بالإبداع والابتكار..والحب طبعاً..لأن مفتاح السر لدى المرأة هو الحب كما قال نيتشه:”المرأة لغز مفتاحه كلمة واحدة هي الحب”.
– من يستطيع أن يقول عن الكاتب أنه موهوب، الناقد أم القارئ أم الزمن ؟
الثلاثة عناصر مكملة لبعضها البعض. الناقد قد يقيّم العمل أكاديمياً وفنّياً، والقارئ قد يتكئ على حسه وذوقه وغريزة خياله، التي لا تخطئ في معظم الأحيان، والزمن هو الذي يخلّد الأعمال المبدعة شاء الآخرون أم أبوا ذلك. ما ذكرتهم هم المواسم التي تتقلب في حضرتها الرواية ولكنك غفلت عن موسم رابع وهو قلمه.
– أين تكمن روعة الرواية الناجحة بكل المقاييس في غرابة أحداثها أم في براعة التركيب والقدرة على التحليل أم في إثارة القارئ وتحفيزه على التمسك بالقيم أم ماذا ؟
لا تستطيع أن تنجز عملاً روائياً دون التمسك بالتسلسل المنطقي التدريجي المتصاعد للأحداث التي بدورها تنظم السرد والوصف الخارجي والداخلي الدقيق، والاكثار من عنصر المفاجأة لتجذب لهاث الحبكة التي هي محور وجوهر الرواية نحو التكثيف والقوة حتى يأتي الحل مهدّئاً من كل تلك الأنواء والفصول والتقاطيع والتضاريس، وإن لم يشأ الكاتب أن يقدّم حلاً، عندها يستطيع أن يمنح فاصلاً لذهن القارئ ليقرّر بنفسه الحل والنهاية.
– الأدب النسائي في الوطن العربي. …. أدب المرأة.؟….المرأة والأدب.؟…. الأدب النسوي.؟… المرأة في الأدب والقصة العربية.؟
لا أستطيع أن أجيب حتى لا أكون هادرة لحق المرأة لأنّ المرأة كالرجل لا نستطيع أن نفرّقها ونصنفها فقط لأنها أنثى يجب أن يشمل السؤال الإثنين معاً…حتى ننصفهما فكرياً وثقافيا.
عناوين كثيرة وكبيرة قد تثير انتباه القارئ أكثر مما تحتويه من فكر وفائدة ،، ماذا تقولي في تلك العناوين ؟
هناك عناوين تلخص التجارب والألم والطمأنينة..دائماً ما أردّدها لنفسي حتى، القلم هو الضمير الحي للإنسان حتى وإن لم يكن كاتباً، لو اختزن في ذاكرته المفاصل الهامة في حياته وعرج على نواصي مصيرية في حياته ليدونها على ورقة ويوازن ما اقترفه من خير وشر..الظلمات كامنة فينا ووحده قلمنا هو ضميرنا الذي ينهض لانتزاعها من أعماقنا وتبرئتنا من الدنس المغري للحسد والغيرة ونكران الصديق…واختصرها في عنوان واحد فأقول:”كن يقظاً في ضميرك تماماً كقلمك حتى لا تهمّشك أوراق الحياة”.
– كيف تقيمين تجربتك الإبداعية مع الرواية والشعر ، وهل أنت راضية عنهما ؟
أنا لا أكتفي بما كتبت رغم سعادتي بمنشوراتي وكتبي، فالقراءة ونهل المعرفة بشكل متواصل هما لغتان عالميتان للنجاح إذا كانت الموهبة موجودة أصلاً. الوزن وحده لا يهم في الشعر إن لم تتكاثف مفرداته بالإحساس والرمزية المبطنة بالوجع، والتاريخ وقصص الأولين في الشعر والأدب والتصوف. والحبكة وحدها لا تغني الرواية عن الوقوع في مطبات التقتير من الخيال والإنغماس الكلي في عالم الواقع لتأتي جامدة خامدة..وقال في هذا الفيلسوف النمساوي كارل بوبر: “الجهل الحقيقي ليس في اكتساب المعرفة بل في رفض اكتسابها”. وأنا راضية بما أعطيت ولكني أسعى إلى الكثير والعديد.
– هل من جديد في مجال الكتابة أو العمل مستقبلا ؟
هناك ديوان شعري جاهز للطبع ولكني سأسبقه برواية تاريخية على وشك الانتهاء منها لأنها ستأتي فنّاً عصرياً مبتكراً متكئاً على قوة التبصر في ظلال البصيرة التي تجمع عصرين مختلفين وشخصيتين تاريخيتين في حقبة مختلفة من الزمن.
– ما طموحات نسرين بلوط ؟
الطموح لدى المبدع لا ينتهي إلا بزوال الحياة، وحتى الرمق الأخير أطمح بأن ينال قلمي ما يستحقه من النجاح بعد أن أبصر النور من خلال تنقله كفراشة في ساجيات الدجى ليبث النور في أوداج الحبر وينطلق في رحلة مع التاريخ والفن والأدب.

 

You may also like...

0 thoughts on “الروائية والشاعرة اللبنانية نسرين بلوط فراشة تحلّق بعيدا”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram