آليات وقواعد فن التجميل عند القدماء ؟!

رضا إبراهيم محمود
لم يكن فن التجميل أمرا مستحدثاً أو جديداً، فمنذ القدم ولما ينوف عن ستة آلاف عام وزيادة، سعي البشر إلي البحث عن وسائل لإكتساب الجمال، وظهر أن الإهتمام بالجمال في العصور القديمة، كان أمرا متقناً أكثر منه في الوقت الحالي، وذلك لإستعمال مستحضرات تجميل طبيعية، ومن خلال الآثار المعثور عليها ظهر أن القدماء عرفوا كيفية إستخلاص العطور من النباتات، وإستخلصوا الألوان من الأعشاب، وكيفية إستخدامها في التجميل، ودلت الرسومات التي سجلها قدماء المصريون على حوائط وجدران المعابد، إستخدامهم الكحل والحنة للنساء والرجال للتجميل وفي أغراض أخرى، كما أستخدمت المرأة الفرعونية أنواع الكريمات، مثل كريم شمع العسل للعناية بالبشرة والشعر، وأنواع من الزيوت، مثل زيت الخروع وزيت الزيتون وماء الورد، بجانب أنواعاً من الوصفات لترطيب البشرة وتبييضها .

مصر القديمة هي المهد
كان الإهتمام بالتجميل أمرا لزاماً للحضارة الفرعونية، وقد أرسلت البعثات في بقية أنحاء العالم القديم لجلب النباتات لزرعها في مصر, كما إبتكر الفراعنة أساليب تجميلية، والتي ما زال بعضها يستخدم حتي اليوم، وكان من ضمن أهم إبتكاراتهم الكحل وأحمر الشفاه الذي صنعوه من العسل والبنجر, كما عالجوا البشرة بعجينة الحلبة وعالجوا الشعر بالزيوت وعصارات الصبار، هذا بجانب إختراعهم عدة مستحضرات لمقاومة التجاعيد من نبات القثاء والزيوت، وقد حوت الآثار المصرية الكثير من أواني العطور والمرايا وأدوات التجميل .

وتُعد مصر القديمة هي مهد فن التجميل الأول، ففي قبور الفراعنة تم العثور علي أوعية تحتوي على مراهم وعطور مختلفة وعلى مسك وبخور، وباتت مستحضرات التجميل جزءً هاماً من ثقافة الصحة العامة عند المصريين القدماء، وتمثلت المواد الأساسية للتجميل في العصر الفرعوني في المر والزعتر والمردقوش والبابونج والخزامى والزنبق والنعناع وإكليل الجبل والصبار وزيت الزيتون وزيت السمسم وزيت اللوز .
قواعده عند الرومان
عن الرومان القدامى، فهم مثل غيرهم من الأمم، قاموا بإستيراد أساليب التجميل ووسائله من الدول المجاورة لهم، ثم اهتموا به وإستنبطوا أساليب جديدة مثل استعمال الطحالب في تحضير مزيلات الشعر، وسرعان ما حظي فن التجميل عند اليونانيين القدامى بقواعد عامة وبمهفوم خاص، ويعتبر (أبو قراط) أول من وضع أسس هذا الفن عند قدماء اليونان حيث يؤكد قائلا .. (من أجل أن تكون صحيح الجسم وجميل الطلعة، وجب عليك أن تراقب غذاءك وتستفيد من أشعة الشمس، وتحافظ على تمريناتك البدنية يومياً)، ومن خلال الرومان تطور فن التجميل، وكانت له أسس تعتمد على العناية بالصحة العامة .

وفي روسيا القديمة، عُرفت العناية بصحة الجلد وملمسه، وقد إستخدمها سكان تلك البلاد، وصُنعت مراهم من حشائش ونباتات مختلفة لإنعاش الجسم وترطيب البشرة، ففي دول أوروبا، كان الإهتمام بالتجميل يختلف عن غيره من الأمم، لتواضعه في بداية الامر، ولكنه شيئاً فشيئاً إنتعش وتطور بشكل سريع، من خلال إنتقال أساليب التجميل الشرقية، حيث إنتشرت طريقة وضع البودرة بين طبقة النبلاء من الرجال، وكان من السائد الشكل المثالي، الذي يكون فيه الجلد مكسواً باللون القرمزي، وتكتسى الوجنات بلون الورد .

فإعتمد التجميل على الأزهار والنباتات الغالية، مما جعل المستحضرات التجميلية قاصرة على الخاصة، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى محاولة الحصول على مواد بديلة لمواد التجميل الغالية من المواد الطبيعية، ومن ثم جاء إستخدام دقيق القمح في صنع البودرة، علي إعتباره بديل عن غبار البنفسج، ولونوا الشفاه بعصير البنجر علي إعتباره بديل عن عصير الورود الحمراء، وإستعملت نساء أوروبا أنواعاً من الحمرة المصنوعة من أكاسيد الحديد والزنجفر، والمساحيق المحضرة من الأسفيداج ومركبات الرصاص، وغير ذلك من مستحضرات الزينة .
عند الإغريق والصين واليابان ؟
ظهر أن نساء الإغريق، كن يستخدمن الرصاص الأبيض للرسم على وجوههن، كما كن يستعملن التوت المطحون لتلوين الشفاه، وإستخدمن حواجب صناعية كانت تصنع في أغلب الأحيان من شعر الثيران، وكانت تلك الحواجب لها شعبية واسعة في ذلك الوقت، وعن قدماء الصين فقد قاموا علي غرار الأمم الأخري وفي فترة تعود لنحو ثلاثة آلاف عام، بتلوين أظافرهم باستخدام الصمغ العربي وشمع العسل والبيض والجلاتين .

وكانت الألوان لها دلالات على الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد، فعلي سبيل المثال، في عهد عائلة (تشو) الملكية، كان أفراد العائلة يلونون بالذهبي والفضي، ولاحقاً أصبحوا يلونوها بالأسود والأحمر، وكان ممنوعاً على الطبقات الدنيا في المجتمع تلوين أظافرهم بألوان زاهية، كما إستعمل الصينيون واليابانيون بودرة الأرز لتلوين وجوههم باللون الأبيض، وكانوا يحلقون حواجبهم ويصبغون أسنانهم باللون الذهبي أو الأسود، كما إستخدموا الحنة ليصبغوا شعرهم .
أعمال تقرب للجنون !!
في العديد من الدول، قامت كثير من النساء بأعمال تقرب الجنون، وذلك لإظهار جمالهن، فكانت المرأة العربية تضع الرصاص المطحون علي رموشهن وحواجبهن وجفونهن، وهو نوع من المواد له سُمية معروفة، وقد عرف أن (كليوباترا) كانت تستخدم عجينة من روث التمساح وحليب الحمير للمحافظة على بشرتها جميلة، وحمايتها من الحرارة، وفي بابل كان شعر الوجه غير المرغوب به يتم تغطيته بالرمل، أو يتم إزالته بحجر الخفاف الخام، وفي بريطانيا كانت المرأة وهي سعيدة وبكل شغف، تبتلع الدودة الشريطية للحفاظ على رشاقتها .

حيث عرفن أن الطفيليات تهضم معظم الأطعمة، التي تأكلها وتدمر صحتها، كما إستخدمن النبيلات البريطانيات أنواعاً من الثقاب المحترق لتجميل عيونهن، ولأجل الحصول علي خصلات شعر شقراء، كن يقمن بصب بول الأسد على ضفائرهن قبل جلوسهن في الشمس، والنساء الرومانيات كن يفركن الطحلب البني على وجوههن، كما كن يفركن وجوههن أيضاً بمسحوق أبيض مصنوع من الرصاص، ما جعلهن عرضة للموت البطيء نتيجة التسمم بالرصاص، والنساء الإيطاليات كن يستخدمن مادة البلادونات القاتلة ويضعنها على العيون لتوسيعها ولزيادة جاذبيتهن، كما إستخدمت نساء اليابان روث الطيور في تلوين بشرتهن .
مهنة الكوافيرة قديماً
بالحديث عن مهنة تصفيف الشعر، فهي مهنة عرفت منذ أمد بعيد، وكانت الكوافيرة تسمى بمصر القديمة بـ (نشت)، وتتلخص مهمتها في إعداد التسريحات وتهذيب الشعر ونظافته، فالمرأة الفرعونية ظهرت بتسريحات مختلفة الشكل، والتي تُعرف اليوم بـ (الكاريه والبانك والشعر المجعد والمتدرج والقصير والجدائل)، وفي الوقت نفسه عرفت مثبتات متنوعة للشعر من المواد الراتنجية والدهون الحيوانية، إضافة إلى المثبتات المعدنية، وعرفت دوام الألوان وتثبيتها من خلال إستعمال بعض المواد المستخرجة من بذور شعر السنط ومسحوق الشبه .

وعن مشاكل الشعر، وبالأخص المجعد منه ظهرت حلول علمية، تتمثل في إستخدام مجموعة من الزيوت الطبيعية، مثل زيت الخروع، وزيت الزيتون المضاف إليه خام الحديد لإكساب الشعر النعومة والبريق، وهو مركب يعرف في الوقت الحالي بـ (البارمنتات)، كما إستخدمت الأعشاب والمواد الحيوانية، مثل الحنة وخشب الصندل والمسك، والعنبر، وصُنعت منها عجائن تبسط فوق شعرها، لتزيد من حيويته ونعومته، وعُرفت طرائق تلوين الشعر وصباغته بألوان زاهية من خلال إستخدام الأعشاب الطبيعية، وأستعملت المرأة القديمة الأصباغ المستخرجة من قشر الرمان، والكركم لصبغ الشعر باللون الأصفر والوردي، وقد ظهر اللون الأخضر في باروكة إحدى أميرات الدولة الحديثة، وقد إتخذت لونها من خليط النيلة والعصفر، أما اللون البني القريب من لون الشعر المصري الطبيعي، فقد جاء إستخراجه من نبات الميموزا .
عن تجميل الأسنان ؟
من المعلوم أن الأسنان تقوم بعديد الوظائف، منها التجميليه والوظيفيه والنطق وغير ذلك من الوظائف الأخري، ومع تطور البشرية جاء تطور علم طب الاسنان، ففى القرن الخامس قبل الميلاد، مارس القدماء فن صناعة الأسنان، وسعوا إلي تبديل السن الطبيعى عقب فقده بأخر صناعي، كما عُرفت عملية شد الاسنان بواسطة خيوط من الذهب، ووجد في إحدي المومياوات المصرية بعض الجماجم، التي ربطت أسنانها بواسطة نوعا معيناً من الأسلاك المصنوعة من الذهب، حيث تقوم بتثبيت الأسنان المقلقلة مع الأسنان الأخري التي بجوارها، كما أستخدم الرومانيين نوعاً من التيجان الذهبية، لتلبيس الأسنان وتثبيت الكسور حال حدوثها .

وكان تراكب الأسنان يمثل مشكلة كبيرة لبعض الأفراد منذ العصور القديمة، وتعود محاولات تصحيحها إلى أكثر من ألف عام قبل الميلاد، إذ تم العثور على محاولات تقويمة من العصور الفرعونية واليونانية والاترورية، وتعود أول محاولة مُسجلة لتقويم إزدحام الأسنان إلى (أوليوس كورنليوس سيلسوس) قبل الميلاد بنحو خمسون عاماً، عندما أيد فكرة تأثير ضغط الأصابع على تعديل الأسنان، وفي الوقت ذاته كانت أقدم محاولة معروفة لتصنيع المعجون، في مصر في القرن الرابع الميلادي، والذي كان خليط من ملح مطحون مع الفلفل وأوراق النعناع وزهور السوسن .
عن الوشم أو التخديش ؟!
جاء إرتباط الوشم في العصور القديمة بالطقوس الدينية والشعائر، ولكن ما لبث أن تشكل في خطوط ورسوم لأغراض جمالية، وإتخذته النساء العربيات قديماً مقياساً للجمال والزينة وعوضاً عن الحلي، ومن خلال الوشم تبرز المرأة أنوثتها وجمالها، ويعود الوشم إلى العصر النحاسي أي حوالي عام ألف وأربعمائة قبل الميلاد، وتم إكتشاف مومياوات أخرى تحمل الوشم والتي يعود تاريخها إلى نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، مثل مومياء أمونيت في مصر القديمة ومومياءات بازيريك في هضبة أوكوك، والجرمانيون ما قبل المسيحية والكلت، كما أن قبائل وسط وشمال أوروبا الأخرى، كانوا يوشمون بشكل كبير .

كما كان البشر ممن سكنوا شمال وشرق إسكتلندا، من أواخر العصر الحديدي إلي العصور المبكرة الذين عرفوا بـ (البيكتس)، مشهورين بالتوشيم أو التخديش، بوضع صباغ نبتة الوسمة ذات اللون الأزرق الداكن، أو ربما النحاس من أجل اللون الأزرق، وإستعمل الوشم كتقنية تجميلية يتم فيها إستخدام الوشم كشكل من أشكال مستحضرات التجميل، ويشمل الماكياج الدائم وتخبئة العيوب وتحييد أو تغيير لون الجلد، وإستخدم الوشم لتعزيز الحاجبين والشفاه علي إعتباره أحمر شفاه دائم، ودوماً ما يُستخدم الألوان الطبيعية والغير مبهمة .
المصادر

 

You may also like...

0 thoughts on “آليات وقواعد فن التجميل عند القدماء ؟!”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram