شرفتي : الجبل الأشم.. والدي

بقلم رئيس التحرير:الدكتور وليد السعدي

ها هي للمرة الثالثة يفتك بي القدر ويؤلمني جداً ويوجه سهامة للقلب مباشرة، وها هي الساعات تمر بطيئة وهي تقلني على جناح السرعة إلى حبيب القلب والروح مهجة العمر وضحكاته، إلى ذلك الجبل الأشم الذي لم تهزه الريح يوماً ولم يشتك من المرض يوماً، بل قضت عليه ساعة الموت، ها هي الساعات مرت وقد أغرقتنا بدموعها ودموعنا لنصل أطراف ذلك الجبل لنقبل الأقدام قبل الأيدي سمحاً وغفراناً، وأطلب منه وهو تحت رحمة الله وتحت العنايات المركزة والتي لم تعد تهمني كل تلك الأنابيب التي دخلت وخرجت منه في ذلك اليوم، والدي تحت أنظار الله فقط أطلب منه الآن أن يسمعني وقد أكد لي الطبيب أنه يسمعني ويراني ولا يستطيع الكلام ولا التعبير، لا يستطيع أن يناديني أبا خالد لقد أطلت الغيبة علي ولم تكن من عاداتك تلك، وأجيبه إن كنت تسمعني فلتحرك تلك العينين البراقتين، اللتين لم أشاهدهما كما هما الآن من قبل، وكان الجواب نعم إني أراك، وطلبت منه أن يشد على يدي وأنا ألمس يده كما كان طوال عمره الذي امتد لثمانين عاماً وشد على يدي، ثلاثة أيام في تلك الغرفة المركزة وأنا أناشد الله والكل معي إخوتي وأخواتي والعائلة بأكملها، والله قبل كل هؤلاء، نناشد الله أن تمر علينا الساعات تلك بخير وسلام وكان القدر الذي استدعاه يوم الخميس 4 شعبان 1439 الموافق 19.04.2018 ليلة جمعة مباركة بإذن الله، وهو متقبل عند ربه بإذن الله، في جنات خلد عند مليك مقتدر مع الأبرار والصالحين والأولياء،آمين إنه سميع مجيب، وها أنذا، بعد فراق الأخ والأم والآن الأب، أقف أمام مفترق طرق من جديد، أقف أمام البعد والفراق، أمام ذلك الصعب بل الأصعب في الحياة الفراق المر الفراق الطويل، ويقولون ما عليك إلا النسيان والاحتساب..وكيف ذلك لا أدري، كيف أمحو كل ذلك التاريخ وكل تلك الذكريات وكل تلك الساعات والدقائق، كيف ستمر علي السنون من بعده؟ كيف ستمضي الأيام من دونك أبا زياد.. تمر السنون التي قضيتها بجانبك أمامي الآن لحظات مبعثرة وأياماً متناثرة ويجمعها حبي لك وحبنا جميعاً لك، هذا ما شهدته جنازتك الطاهرة في قريتنا الكريمة كفر شمس التي احتضنت مثواك الطاهر ولفك ترابها بحنو وشيعك أهلها كلهم بحب ودموع وفقدان وأسى، لاأعرف كيف أنعيك، أعرف فقط أن أحبك وأن أحبك أكثر وأكثر، وأعرف أنك بإذنه تعالى ستكون وكما قال عمر ولدي بأنك في عليين، وبمكان أجمل، وستمشي على قدميك التي آلمتك كثيراً وأقعدتك مباركا بإذنه تعالى.
ادعو الله وأستجير بمحمد بن عبدالله أن تكون في مكان أجمل مما كنت فيه، وبحياة أجمل مما كنت فيها، مع الصديقين والأبرار، وأعاهد الله أن تبقى في القلب وفي صدارة ذلك القلب أباً شهماً كريماً جبلاً أشماً في حضورك وفي غيابك الجسدي، وستبقى روحك الطاهرة تغرد بيننا وصدى ضحكاتك لن يغيب عن أوتار قلوبنا وقلوب محبيك جميعاً. رحمك الله وأسكنك فسيح فردوسه الأعلى. إنا لله وإنا إليه راجعون.

You may also like...

0 thoughts on “شرفتي : الجبل الأشم.. والدي”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram