الأصدقاء يفوزون بنصيب الأسد لمن يبوح أبناؤنا بأسرارهم؟

المنارة_أبوظبي_ميسون الرشيد

استعانة الأبناء بأصدقائهم لحل المشاكل التي تواجههم، والبوح لهم بأسرارهم، من الظواهر التي تقلق الآباء، وتجعلهم في حيرة من أمرهم، لاسيما أن العصر الحالي يعد بحسب المهتمين بشؤون التربية من أصعب العصور التي يواجهها الأهل من ناحية الرعاية والمتابعة، حيث تلعب التكنولوجيا والمجتمع الخارجي دوراً محورياً في غرس مفاهيم مغايرة لما يغرسه الآباء في نفوس أبنائهم، إضافة إلى وجود أصدقاء افتراضين في عالم افتراضي وآخرين حقيقيين على أرض الواقع، يقدمون النصائح والاستشارات المجانية التي تتماشى مع معطيات عصر لم يبق ولم يذر.
فبالرغم من جميع الجهود التي يبذلها الأهل لاحتواء الموقف، والتقرب إلى أبنائهم لسبر أغوار المشكلة، بيد أنهم لا زالوا يشعرون أن المسافة بينهم وبين أبنائهم تتسع يوماً بعد يوم، وأن الأصدقاء -حقيقيين كانوا أم افتراضيين- يفوزون بنصيب الأسد من تلك العلاقة التي أصبحت بالنسبة للأهل من الأماني المستحيلة، فصديق اليوم هو الملاذ الآمن، ومستودع الأسرار التي لا يعرفها الأهل..
فما الأسباب التي تدفع أبناءنا إلى البوح بأسراهم لأصدقائهم، وإخفائها عنا؟

أسباب خاصة
ويؤكد أغلب المشاركين في هذا التحقيق أن كيفية التعامل مع الأبناء تلعب دوراً محورياً في التقارب أو التباعد بين الطرفين، وأن الصراحة تكون في خبر كان إذا لم نزرع الثقة في نفوسهم لكي يطمئنوا إلينا وإلى ردود أفعالنا قبل أن نطالبهم بالبوح لنا بأسرارهم..
من هذا المنطلق تؤكد أم حسن (ربة منزل) حرصت من الوهلة الأولى على فتح قنوات للحوار بينها وبين أبنائها، وفي مرحلة مبكرة، إلى جانب التأني في إصدار الإحكام السلبية على تصرفاتهم قبل معرفة الحقيقة، وبالرغم من ذلك تعتقد (أم حسن) أنهم لا يخبرونها بكل شيء لأسباب خاصة بهم، لافتة إلى أن ابنتها الكبرى لم تخبرها عن الشاب الذي تقدم لخطبتها إلا قبل أيام قليلة من الحدث نفسه، غير أنها عرفت لاحقاً أن ابنتها أخفت هذا السر حتى تتعرف على الشاب عن كثب، وتتأكد من أنه جاد بالفعل.
محاولات فاشلة
وتستهل أم معاذ (سكرتيرة) حديثها بالتأكيد على أنها فعلت المستحيل للفوز بصداقة ابنها البكر، الطالب في كلية الصيدلة، غير أن محاولاتها اليائسة باءت بالفشل بعد اكتشافها أن معاذاً يخفي عنها الكثير من الأسرار، كما أنه كان يلجأ إلى أحد الأصدقاء إذا حلت به مصيبة بدلاً عنها، ما دفعها إلى تغيير نهج التعامل مع إخوته حتى تتفادى الوقوع في الخطأ نفسه.
وتضيف: أخطأت خطأ فادحاً بعدم فتح نافذة لعلاقة مبنية على الصراحة بيني وبين ابني، فضلاً عن ذلك كنت أقسو عليه دائماً ليكون على قدر المسؤولية، بل كنت أطلب منه أن يكون رجلاً بكل ما تحمل الكلمة من معان رغم صغر سنه، ما دفعه إلى الابتعاد عني رويداً رويداً، واللجوء إلى الأصدقاء دون أن أعلم نتيجة هذا السلوك الخطير، والذي جعل المساحة بيني وبين ابني تتسع إلى درجة لا تصدق.
نسخة مكررة
من جهتها تلقي عايدة علوي (سيدة أعمال) باللائمة على الأهل، لافتة إلى أنهم في أغلب الأحوال يفرضون الوصاية على آراء الأبناء، ويتمنون لو يصبح الأبناء نسخة مكررة من الآباء، متناسين أن الزمن قد تغير، وأن عجلاته لن تعود إلى الوراء، لافتة إلى أن لكل زمان دولة ورجال، وتشير علوي إلى الأبناء لن يلجأوا إلى الأصدقاء ليبوحوا لهم بأسرارهم إذا وجدوا في الأهل الحضن الدافئ، والصدر الحنون الذي يحتويهم وقت الشدة، كما تفعل هي مع أبنائها.
وتضيف: كنت أخبرهم بصفة دائمة بأنني صديقة وليست أماً، وأنني أتفهم ظروفهم، ومعطيات عصرهم، ما جعلهم يشعرون بالأمان، وعدم الخوف من البوح بأدق الأسرار، وأكاد أجزم أن ابنتي وابني لم يخفيا عني سراً واحداً حتى هذه اللحظة.
حوار ديمقراطي
لا يختلف جيف روبرت (موسيقار) عن الآراء السابقة التي تتحدث عن شكل ومضمون العلاقة بين الآباء والأبناء، حيث يرى أهمية بناء علاقة واضحة مبنية على مبدأ الرأي والرأي الآخر، بمعنى أن تستمع إلى آراء أبنائك، وأن تقيمها بشكل جيد قبل إصدار الحكم عليها..
ويقول: أنا أب لثلاث بنات، لكل واحدة منهن شخصية تختلف عن الأخرى، وبحكم انشغالي الدائم فإن علاقتهن بوالدتهن كانت أقوى بكثير، وكن يتحدثن إليها في كثير من الموضوعات، وأذكر أن ابنتي الكبرى لم تخبرني سوى مرة واحدة عن سر من أسرارها الخاصة، لكني لا أستغرب هذا التصرف، حيث كنا نمارس الأسلوب نفسه مع أهلنا، في حين كانوا يتوقعون أن نخبرهم بكل التفاصيل، لكننا لم نكن نفعل ذلك خوفاً من ردة فعلهم التي تكون قاسية في كثير من الأحيان.
ويدعو روبرت في ختام حديثه إلى تغيير النهج التقليدي للتربية تماشياً مع معطيات العصر الحديث، وذلك لبناء الثقة بين الطرفين من خلال حوار ديمقراطي، تتم من خلاله تقييم وجهات نظر الأبناء، خصوصاً وأنهم يؤمنون بصحة آرائهم، ومعتقداتهم في تلك المرحلة من العمر، حتى يثبت لهم العكس.
الرمضاء والنار
ما رأي الأبناء في التهم المنسوبة إليهم؟.. وهل هم بالفعل يخفون أسرارهم عن ذويهم، ويبوحون بها لأصدقائهم؟
في إجابته على هذه الاتهامات أفاد صلاح سعد الدين (موظف) بأن نظرة الأهل التقليدية للأمور، وعدم تفهمهم لمشاكل الأبناء المرتبطة بعصرهم، وليس عصر آبائهم تلعب دوراً رئيسياً في تحديد مستوى العلاقة بين الطرفين، وفي ما يتعلق بموضوع البوح للأصدقاء فيقول: لا يجد الشباب شخصاً أكثر تفهماً وتجاوباً واستيعاباً لمشاكله سوى صديق من العمر نفسه، وقد يكون هذا الصديق قد مر بذات الأزمات والمشاكل، أما الأهل فغالباً ما تكون لهم ردة فعل قوية، أو يحدث العكس فيقللون من أهمية الموضوع يصبح الشاب كالمستجير من الرمضاء بالنار.
أزمة ثقة
من جهتها تري سوزان عبد الله (طالبة جامعية) أن الأبناء في المجتمعات العربية ضحايا لكل العصور، حيث فشل الأهل في إيجاد آليات تفاهم تواكب العصر الذي يعيش فيه أبنائهم، الأمر الذي أحدث فجوة عميقة، وأزمة ثقة بين الطرفين ما دفعهم إلى تبادل الاتهامات، حيث يعتقد الأبناء أن الآباء يحصرونهم بالأفكار البالية التي لا تصلح للعصر الحالي، فيما يرى الآباء أن أبناءهم منفلتون وخارجون عن القانون، كما لا يبوحون إليهم بأسرارهم الخاصة، أما الأبناء فيجدون في أصدقائهم ملاذاً آمناً، ومخزناً لأسرارهم ومواضيعهم الخاصة التي تضيق بها صدورهم في أغلب الأحيان، وبالرغم من النصائح الخاطئة التي قد يسديها الأصدقاء لكنهم يشعرون أن تتماشى مع رغباتهم، وتجد هوى في نفسهم.
وتضيف: أنا شخصيا أفضل اللجوء إلى صديقتي للبوح بسري وليس أهلي، ذلك لأن صديقتي لا توبخني، بل تستمع إلي بهدوء، وتتفهم الظروف التي دفعتني إلى الوقوع في هذه المشكلة، كأضعف الإيمان.
خبر تراكمية
أما إليزابيث كبيدة (إعلامية) فتشير إلى عدم اتفاقها مع آراء بعض الشباب الداعية إلى إخفاء الأسرار عن الأهل مهما كان وقعها عليهم، لافتة إلى أهمية الاستفادة من خبراتهم الطويلة، خصوصاً أن الأصدقاء في أغلب الأحوال من العمر نفسه، وليست لديهم خبرة تراكمية كالوالدين، وتضيف لتؤكد أنها الأكثر حظاً مقارنة برفيقاتها الأخريات، حيث نشأت في بيت يؤمن بمنهج الحوار الحر بين الآباء والأبناء، لهذا فهي لم تخف في يوم ما أمراً عن والديها مهما كان وقعه عليهما.
واختتمت كبيدة حديثها بقولها: أتمنى أن يغير الأهل من سياسة فرض الرأي، وعدم الثقة بقدرات الأبناء في طرح أفكار بناءة، وآراء مفيدة حتى تعود العلاقة بين الطرفين إلى مسارها الطبيعي.
التواصل العاطفي
في سياق متصل يقول الخبير التربوي د. يوسف إسماعيل علقم في إجابته على سؤال من هو الشخص الذي يفضل أن يبوح له أبناؤنا بأسرارهم: الإجابة الطبيعية والمنطقية على مثل هذا السؤال هي: الأمهات، والآباء، الإخوة الأكبر سنا، ولكن للأسف الشديد فالفجوة الكبيرة التي تعصف بالأسرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، والمساحة التي تتسع رقعتها بين الأبناء وأهاليهم تجبرهم على البحث عن غرباء يستمعون إلى ما يدور في أنفسهم، وبالتالي تخرج هذه المشاعر البريئة، وهذه الآراء والمعلومات من محيط الأسرة إلى المحيط الخارجي، علماً أن هذا السلوك قد يؤدي إلى كارثة إذا استغلت بعض الجهات الهدامة للمجتمع في هذه الأسرار، وقامت بنشرها بأدوات أخرى، وما أكثرها في هذا العصر.
ويؤكد علقم على دور الأسرة وأهميته في سبر أغوار الاحتياجات النفسية والعاطفية لأبنائها، ولم يعد توفير الأكل والشرب ومستلزمات الحياة العصرية فقط من الأهمية بمكان، ولكن الأهم من ذلك التواصل الأسري العاطفي والنفسي والاجتماعي مع الأبناء من خلال تخصيص أوقات للجلوس معهم والاستماع إليهم واحترام وجهات نظرهم، وتعزير ثقتهم بنفسهم وأخذ مشورتهم في قضايا الأسرة كاختيار نوع الأثاث، والأجهزة الكهربائية، أو اختيار مكان الرحلة التي تعتزم الأسرة القيام بها ومناقشة كل المقترحات بشكل إيجابي دون التقليل من أهمية أي رأي من الآراء.
ويلفت علقم إلى ضرورة قيام الأسرة ببناء قاعدة قوية لأفرادها، وذلك من خلال مراعاة الجانب النفسي والعاطفي للأبناء، وأن يكون هناك نوع من الاتصال والتواصل والقنوات مفتوحة بين أعضاء الأسرة، ليتمكن الأبناء من التعبير عن مشاعرهم لتفريغ الشحنات العاطفية والنفسية دون خوف، وفي الوقت المناسب، وللأشخاص المناسبين وهم حسب الترتيب الأم، فالأب، ثم الأخ الأكبر، والأخت الكبرى، وذلك حسب طبيعة العلاقة التي تربطهم ببعضهم، ومستوى التفاهم الأسري بينهم، أما السلوك الشاذ، وهو السائد حالياً في مجتمعاتنا للأسف، نجد أن أغلب الأسر لا تهتم بهذه الجوانب من العلاقات، فيضيع الأبناء بين الأب والأم المشغولين بتوفير متطلبات الحياة المختلفة، ووسائل الحياة العصرية، وبالتالي تتسع الفجوة بينهما فينطلق الأبناء إلى الخارج ليبوحوا بأسرارهم من معلومات أو أحاسيس نفسية أو عاطفية لأقرب الأصدقاء.

1one 2two

You may also like...

0 thoughts on “الأصدقاء يفوزون بنصيب الأسد لمن يبوح أبناؤنا بأسرارهم؟”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram