ماذا فعلت التكنولوجيا بعلاقة الأم بإبنها

دبي المنارة : مقال لبنى العيسى

أعوام قليلة والحرب التكنولوجية قطعت أشوطاً كبيرة لتصل إلى عقول الجميع في كل أنحاء العالم , أعوام قليلة كانت كفيلة بتغيير وقع الحياة حيث أصبح كل شيء سريع لا يكاد أحد يشعر بخطوات ومراحل حياته , فقد غيرت صورة الحياة وحولتها لقرية صغيرة جمعت أحداث العالم على صفحة واحدة أو إذا صح  القول شاشة واحدة .

حرب اخترقت عقل الصغير قبل الكبير حيث أصبح من الطبيعي أن تجد ابن العامين يدير العالم خاصته بكل حرفية دون أن يلجأ لإرشادات والدته .

حقيقة غير قابلة للجدل بأن كل الحروب في العالم لا ينتج عنها سوى نتائج سلبية , نتائج تتلخص بكلمة واحدة وهي (دمار) إلا الحرب التكنولوجية فهي سيف ذو حدين فكما أنها  سهَلت مفهوم الحياة وقربت العالم واختصرت المسافات وقدمت المعرفة والثقافة بطريقة أسهل وأسرع كما أثرت بشكل سلبي على المجتمع وهنا عندما نصل إلى كلمة مجتمع أول شيء يتراءى لأذهاننا هو الأسرة والعلاقات الأسرية .

الماضي :

الماضي جزء لا يتجزأ من أي تاريخ أو عداد زمني , في الماضي كان أسلوب الحياة مختلف لأنه لم يكن منتدب حينها من قبل التكنولوجيا ومساوئها ,فمثلاً الأطفال في الماضي كانوا يلعبون ويمارسون ألعاب حركية تكسبهم لياقة ذهنية وجسدية , كانوا يتساءلون في عقولهم عن الكثير والقليل وعندما يصلون لمرحلة التساؤل يتجهون إلى أقرب شخص لهم وهي أمهم , باب الحوار كان دائما مفتوحاً يطرقه الطفل عند أي استفسار يجتاحه لتقدم له أمه كل الأجوبة بكل رحابة صدر لأنها كانت مقتنعة قطعياً بأن الحوارات هي من تصنع الروابط وتقويها , نعم في ذالك الوقت وقبل هذه الأعوام القليلة كانت الأم مهتمة , تنسج بيديها العلاقة بين أولادها , تنصحهم وتعطيعهم ما استطاعت دون أن يطلبوا فأطفالها هم سر سعادتها أو تعاستها لأنها الشخص الوحيد الذي خلق لكي يؤدي رسالة الأمومة التي توصل أطفالها إلى بر الأمان .

الآن :

يمارس الآن الأطفال حياتهم تحت كل المسميات إلا مسمى واحد وهو الرابط الأسري فذاك النسيج الذي تحدثت عنه والذي نُسج بأيدي أمهات الماضي قد انقطع وحالة الوطن الصغير الذي ينشأ فيه الطفل تحت رعاية والداه زاد سوءاً والحواجز أصبحت أكثر والمسافة بين الأطفال وأهلهم زادت أبعادها  فالآن لم نعد نرى الطفل يتساءل لأن الموبايل الذي يملكه  سيجيبه على ما يريد دون أن يكلف نفسه عناء السؤال والتحدث , لم نعد نره يجلس مع عائلته في جو عائلي لأنه مشغول في غرفته بالحديث مع أصدقائه ضمن العالم الإفتراضي خاصته , هذا ولم أتحدث عن الأم فحتى الأم انقرضت كلماتها ولغة الحوار مع أطفالها لم تعد تسعفها لأنها أضاعتها منذ دخولها برامج التواصل الاجتماعي فهي أيضاً رفعت شراعها وأبحرت في بحر عالمها الإفتراضي وأصبح جلَ همها كيف تثبت نفسها وتقدم نفسها لأصدقائها في هذا العالم. وفي النهاية تجدها فاقدة للسيطرة على أطفالها ولم تعد تجد منفذ تنشر فيه فلسفتها و نصائحها , وستستنتج أنه لا يشيء سينقذها فقد فقدت أطفالها بعد أن أصبحت غير مدركة لما يحصل في منزلها وعن رسالة الأمومة فلم تعد تعنيها لأنها وضعتها في كتاب الماضي وتركتها تتناثر مع غباره .

هل هناك حالات استثنائية !

بالطبع ولغة التعميم التي طرحتها لا تشمل كل الأسر والمجتمع ,و من المؤكد أن هنالك أطفال يتربون بطريقة فاضلة وأنه حتى الآن توجد أمهات مدركات لخطورة هذا الوضع ويربون أطفالهم بعيداً كل البعد عن حالة الفوضى تلك .

هل من حل !

يجب أن يبدأ الحل  من عقل الأم ويتخذ منه طريقاً للبداية  والأم يجب أن تفهمه جيداً وتتخذ منه سبيلاً لإنقاذ أطفالها , من وجه نظري يجب عليها أولاً أن تدرك حقيقة الوقت وتعرف كيف تنظمه فهي لن تستطع أن تمنع أطفالها بشكل كامل عن التكنولوجيا  لأنها أصبحت جزء لا يتجزأ من خصائص المجتمع لكن بيدها أن تنظم لهم أوقاتهم وتجذبهم  للأجواء العائلية بأسلوبها وطريقتها المبتكرة , تجعلهم يحبون البيت بأساليب كانت تتبعها أمهاتنا من قبل وأهم أسلوب هو أن تجلس هي معهم وتعطيهم الوقت الكافي .

يجب أيضاً أن تشجعهم على القراءة وتخصص وقت خاص للكتاب لكن يجب عليها أن تنتبه لمسألة العمر فالطفل يجب ان يعتاد القراء منذ الصغرلا بعد أن يفوته القطار , أما من ناحية الأصدقاء فهم المؤثر الأكبر على العقول لأن الأصدقاء مجتمع قائم بذاته ,إما أن يكون فاسد أو فاضل .

ومن ناحية الأم يجب عليها أن تقتنع كلياً برسالتها وتعطيها حقها وتدرك مدى قدسيتها , ولن تدرك ذلك حتى تبعد نفسها عن عالمها الإفتراضي  أو تضع مسافة بينها وبينه وتجعل قرار اجتيازهذه المسافة بيدها فكلما كانت مسيطرة على تلك المسافة كلما نجحت أكثر بدورها كأم  فاضلة .

 لست حزينة لما آلت إليه حالنا فقط بل أحمل جميع الأمهات ذنب أطفال لا ذنب لهم سوى أن خلقوا أطفالاً لأمهات أساؤوا التعاطي مع حالة الحداثة هذه وأنتجوا أطفالاً ضائعين يبحثون عن هدف ضائع من دون قيم أومباديء  وإن وجدت تلك المباديء فستكون حصيلة بحث على محرك جوجل لا عن نصيحة كانت قد قدمتها الأم لإبنها  .

Tags

You may also like...

0 thoughts on “ماذا فعلت التكنولوجيا بعلاقة الأم بإبنها”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحميل المجلة

شرفتي.. المقال الصحفي…… هل ما زال؟!

رئيس التحرير
الدكتور وليد السعدي

Polls

هل انت مع منع لعبة البوكمن في البلاد العربية ؟

Loading ... Loading ...
Facebook
Google+
Twitter
YouTube
Instagram